ما جرى للنواب الذين معه قال ثم إن نائب الشام الذي معه مرض ومات على قبة يلبغا وهرب نائب طرابلس فغضب وقتل الموكلين بحفظه وهرب تمرداش في قارا وبقي في اسره علاء الدين الطنبغا نائب صفد وزين الدين نائب غزة وغيرهما.
وصوله إلى بعلبك قال ثم اتى بعلبك واستولى عليها وصوله إلى دمشق قال وسار عنها حتى أشرف على دمشق من جهة قبة السيار ووصلت العساكر المصرية إلى قبة يلبغا يوم الأحد عاشر ربيع الآخر سنة 803 ودخلوا دمشق ونزلوا دورها ودخلت بعض أثقال السلطان البلد ونزلت جنود تيمور غربي دمشق من داريا والحولة وعن ابن تغري بردي أنه قال لما قدم الخبر على أهل دمشق باخذ حلب نودي في الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المدينة والاستعداد لقتال العدو فاخذوا في ذلك فقدم عليهم المنهزمون من حماه فعظم خوف أهلها وهموا بالجلاء فمنعوا من ذلك ونودي من سافر نهب فعاد إليها من كان خرج منها وحصنت دمشق ونصبت المناجيق على قلعة دمشق ونصبت الكاحل على أسوار المدينة واستعدوا للقتال ثم نزل تيمور بعساكره على قطنا فملأت عساكره الأرض كثرة وركب طائفة منهم لكشف الخبر فوجدوا السلطان والامراء قد تهيئوا للقتال. وفي خطط الشام ان تيمور نزل عند سفح جبل الثلج اي غربي دمشق وفي قطنا وإقليم البلان إلى ميسنون انتهى وفي شذرات الذهب وسار تيمور حتى أناخ على ظاهر دمشق من داريا إلى قطنا والحولة وما يلي تلك البلاد ثم احتاط بالمدينة وانتشرت عساكره في ظواهرها تتخطف الهاربين انتهى وفي عجائب المقدور وحفر عسكر مصر الخنادق وحصنوا القلعة وامر ملك مصر بخروج العساكر إلى ظاهر البلد وانضاف إليهم أعيانها وحصلت المناوشة فقتل قاضي القضاة برهان الدين المالكي وشلت يد قاضي القضاة عيسى المالكي من ضربة سيف وكل من يأتون به من عسكر تيمور يقتلونه وخرج يوما من عسكر تيمور نحو عشرة آلاف فخرج إليهم من عسكر الشام نحو ثمانمائة والتقوا في واد خلف قبة يلبغا واقتتلوا قال ابن تغري بردي وصفت العساكر السلطانية فبرز إليهم التيمورية وصدموهم صدمة هائلة وثبت كل من العسكرين ساعة فكانت بينهم وقعة انكسرت فيها ميسرة السلطان وانهزم العسكر الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران وجرح جماعة وحمل تيمور بنفسه حملة عظيمة شديدة فدفعته ميمنة السلطان حتى اعادوه إلى موقفه ونزل كل من العسكرين بمعسكره وبعث تيمور إلى السلطان في طلب الصلح وارسال اطلمش اليه وانه هو يبعث من عنده من الأمراء المقبوض عليهم في واقعة حلب، ثم إن العساكر المصرية عادت إلى مصر من الشام ليلا وخرج السلطان فرج إلى وادي التيم فبعض يقول إنه هرب وبعض يقول إنه بلغه انهم يريدون خلعه في مصر وإقامة غيره ولم يشعر الناس الا والنار تلتهب في مخيم العسكر المصري وكأنهم أحرقوا ما معهم لما رجعوا ولم يستطيعوا حمله فخافوا ان يغنمه عسكر تيمور، قال ابن تغزي بردي وكان اجتمع في دمشق خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن خرج جافلا من تيمور وبها عسكر دمشق فلما أصبحوا وقد هرب السلطان المصري وعسكره أغلقوا أبواب المدينة وركبوا الأسوار ونادوا بالجهاد وزحف عليهم تيمور بعساكره فقاتل الدمشقيون من أعلى السور أشد قتال وردوهم عن السور والخندق وأسروا منهم جماعة ممن اقتحم باب دمشق وأخذوا من خيولهم عدة كبيرة وقتلوا منهم نحو الألف وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة. وعن ابن إياس انه كان بين أهل دمشق وعسكر تيمور في أول يوم واقعة عظيمة فقتل من عسكر تيمور نحو ألفي انسان فأرسل تيمور يطلب من أهل دمشق رجل من عقلائهم يمشي بينه وبينهم بالصلح فاشتوروا فيمن يرسلونه فوقع الاختيار على القاضي تقي الدين إبراهيم بن مفلح الحنبلي فإنه كان طلق اللسان يتكلم بالتركية والفارسية فأرخوه من أعلى السور بسرياق ضخم ومعه خمسة أنفس من أعيان دمشق فغاب عند تيمور ساعة ثم رجع فأخبر بان تيمور تلطف معه في القول وقال له هذه بلد فيها الأنبياء وقد اعتقتها لهم وشرح من محاسن تيمور شيئا كثيرا وجعل يخذل أهل الشام عن قتاله ويرغبهم في طاعته فصار أهل البلد فرقتين فرقة ترى ما رآه ابن مفلح وفرقة ترى محاربته وكان الأكثر يرون مخالفة ابن مفلح ثم غلب رأيه ورأي أصحابه فقصد ان يفتح باب النصر فمنعه نائب القلعة وقال إن فعلتم ذلك أحرقت البلد ولكن نائب القلعة لما رأى عين الغلب سلم إليهم القلعة بعد تسعة وعشرين يوما انتهى. قال ابن عربشاه وتقدم تيمور إلى المدينة فامتنع أهلها عن تسليمها فبقوا على ذلك يومين ثم خرج أعيانها إلى تيمور طالبين الأمان وهم قاضي القضاة محمود بن العز الحنفي وولده شهاب الدين وقاضي القضاة إبراهيم بن مفلح الحنبلي وقاضي القضاة محمد الحنبلي النابلسي والقاضي محمد بن أبي الطيب كاتب السر والقاضي احمد الوزير والقاضي شهاب الدين الجياني الشافعي والقاضي إبراهيم بن لقوشة الحنفي نائب الحكم اما قاضي القضاة الشافعي فهرب مع السلطان واما قاضي القضاة برهان الدين الشاذلي المالكي الذي أفتى بقتل الشهيد الأول فإنه كان قد قتل كما مر.
ما جرى لابن خلدون مع تيمور وذهب معهم قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون المالكي وكان قدم مع السلطان فرج فلما رجع فرج إلى مصر بقي هو في دمشق وحين دخلوا على تيمور وقفوا إلى أن أذن لهم بالجلوس وهش إليهم، فقدم له ابن خلدون على ما في خطط الشام هدية فيها علب حلوى مصرية فتحها تيمور وأطعم منها رجاله ولم يذقها واهداه سجادة صلاة فوضعها إلى جانبه واهداه مصحفا شريفا فقبله ووضعه إلى جانبه. قال ابن عربشاه ولما رأى شكل ابن خلدون بعمامة خفيفة وبرنس قال هذا الرجل ليس من هاهنا، وجئ بالطعام فكوموا تلألأ من اللحم السليق فبعضهم لم يأكل وبعضهم أكل، وتيمور يلحظهم، وكان من الآكلين ابن خلدون