الخراج ولا يحمل منه إلى تيمور شيئا وشرط عليه أنه كلما طلبه جاء اليه ثم عانقه وودعه وأمر أمراءه بتشييعه. وابن عربشاه يقول إن قصده بذلك ايقاع الخلاف بينه وبين مجاوريه ليلتجئ اليه ولكن لا يعلم ما في القلوب الا الله وأمر تيمور مع هذا الرجل غريب فهو إن أساء سبه وشتمه وإن أحسن ذمه واتهمه. قال فتوجه ليلة الجمعة 13 رمضان سنة 798 فوصل إلى سلطانية ثم رحل إلى تبريز واجتمع باميران شاه بن تيمور فأكرمه وأنعم عليه وشيعه فجاء على وسطان وبدليس وارزن إلى الصور ووصل خبره إلى قبائله وغيرهم يوم الجمعة 11 شوال سنة 798 فاستقبلوه ومعهم ولي عهده الملك الصالح فدخل ماردين وهناه الشعراء.
رجوع تيمور ثانيا إلى قفجاق ومروره بدربند قال ثم عزم تيمور على الرجوع إلى دشت قفجان وسلطانها توقتاميش وتدعى بلاد قفجاق ودشت بركة والدشت بالفارسية البرية وبركة الذي تنسب اليه هو أول سلطان أسلم ونشر بها راية الاسلام وكان أهلها عبدة أوثان ومنهم بقية يعبدون الأوثان إلى زمن ابن عربشاه وكان سبب قصد تيمور لها أن الأمير أيدكو كان في خدمة توقتاميش سلطان بلاد القفجاق وقبيلته تدعى قوبكومان وقبائل الترك كثيرة كقبائل العرب ولغاتها مختلفة كلغاتها فأحس من مخدومه توقتاميش تغير خاطر خاف منه على نفسه فاحترز منه فقال له ليلة وقد أخذ منه السكر ان لك مني يوما وباح له بما في نفسه فانسل ايدكو من المجلس كأنه يريد قضاء حاجة وجاء إلى اصطبل توقتاميش وركب أحد جياد الخيل وهرب وقال لبعض من يأمنه على سره من أرادني وجدني عند تيمور فوصل إلى تيمور وحرضه على غزو بلاد القفجاق فتهيأ تيمور لقصد دشت بركة وأهلها من التتار وحدها من الجنوب بحر القلزم وبحر مصر ومن الشرق تخوم ممالك خوارزم واترار وسفتاق أخذا إلى تركستان وبلاد الجتا وحدود الصين من ممالك المغول والخطا ومن الشمال برار وقفار ومن الغرب تخوم بلاد الروس والبلغار ومملكة ابن عثمان من بلاد الروم وكانت القوافل تخرج من خوارزم إلى قريم طولا وذلك نحو ثلاثة أشهر ولا تحمل زادا ولا عليقا لكثرة العمران أما اليوم فليس فيها ديار اما عرضها فبحر من الرمل وتحت الدشت مدينة سراي أو صراي وهي اسلامية كان السلطان بركة بناها لما أسلم واتخذها دار ملكه وتسمى سراي قفجاق وسراي بركة وفيها يقول الشاعر قد كنت اسمع ان الخير يوجد في * صحراء تعزى إلى سلطانها بركه بركت ناقة ترحالي بجانبها * فما رأيت بها في واحد بركه وكان عنده في سراي أمثال قطب الدين الرازي وسعد الدين التفتازاني والسيد جلال شارح الحاجبية وغيرهم، فتوجه تيمور من طريق الدربند وهو في حكم الشيخ إبراهيم ملك شيروان من نسل كسرى انو شروان وله قاض اسمه أبو يزيد فاستشاره في أمر تيمور أ يطيعه أم يتحصن منه أم يقاتله أم يفر فأشار بالفرار أو التحصن فأبى أن يفر وذهب إلى تيمور وأهدى له وضرب الدراهم والدنانير باسمه وأمر في البلاد بالزينة وأهدى له من كل جنس تسعة على عادة قوم تيمور في هداياهم وتسمى الطقزات لأن طقز معناه تسعة بالتركية الا العبيد فقدم ثمانية فقيل له وأين التاسع فقال أنا فاستحسن تيمور هذا الجواب منه وقال له بل أنت ولدي وخليفتي في هذه البلاد وخلع عليه ورده إلى مملكته. وسار إلى بلاد القفجاق أول سنة 798 فلما وصلها جمع سلطانها توقتاميش جنوده واستعد ولما تقابل العسكران برز من عسكر توقتاميش أمير كان له دم على أحد الأمراء فطلب القصاص منه في ذلك الوقت فاستمهله توقتاميش إلى انقضاء الحرب فلم يقبل وخرج من العسكر بقبيلته واسمها افتلو ومن اتبعه ومضى إلى بلاد الروم واستوطن أدرنة فوقع الوهن في عسكر توقتاميش اما تيمور فسطر النصر مكتوب على راياته ووقعت الحرب بينهم واستمرت ثلاثة أيام فانهزم توقتاميش واستولى تيمور على جميع تلك البلاد وهدم سراي وسرابحوق وحاجي ترخان وعظمت منزلة ايدكو عنده ثم قفل راجعا إلى سمرقند ومعه ايدكو. ثم إن ايدكو ارسل إلى عشيرته بغير علم من تيمور ان يرحلوا إلى أماكن عينها صعبة المسالك وان أمكنهم أن لا يقيموا في منزل يومين فليفعلوا خوفا من تيمور ثم أنه قال لتيمور إني أخاف عشيرتي الذين عند توقتاميش أن ينالهم بسوء لأنني أنا السبب فيما جرى عليه فان رأى الأمير ارسال قاصد إليهم معه مرسوم بتطييب قلوبهم ورحيلهم عن توقتاميش فعل فقال له تيمور ليس لذلك غيرك فقال أضف إلي واحدا من الأمراء ففعل فلما سارا ندم تيمور وعلم أنه خدع فأرسل اليه قاصدا يأمره بالرجوع فأبى وأعاد الأمير الذي معه والرسول إلى تيمور ويقال انه لم يخدعه سوى ايدكو فوصل ايدكو إلى بلاده وجمع عشيرته ومن انضم اليه واقتتل هو وتوقتاميش حتى جرت بينهما خمس عشرة وقعة وخربت بسبب ذلك البلاد وكانت الوقعة الخامسة عشرة على ايدكو وفقد هو وخمسمائة من أصحابه واستبد توقتاميش بالأمر ثم إن ايدكو بلغه ان توقتاميش في متنزه له منفرد عن العسكر فذهب اليه وقتله وملك البلاد فنازعه رجل يسمى تيمور خان، ثم إن ايدكو مات غريقا جريحا في نهر سيحون بسرابحوق هذا ما ذكر ابن عربشاه. وقال ابن حجر أن تيمور بعد ما عاد من ديار بكر والجزيرة نزل بقراباع فبلغه رجوع طقمتش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة 799 ففر إلى بلغار وانضم عسكر المغل إلى تيمور فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم انتهى وفي البدر الطالع وبلغ تيمور حركة طقمتش في جمع المغل فأحجم وتأخر إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قراباغ ورجع طقمتش ثم سار اليه تيمور أول سنة 799 وغلبه على ملكه وأخرجه من سائر أعماله فلحق ببلغار ورجع سائر المغل الذين كانوا معه إلى تيمور فأضحت أمم المغل والتتر كلها في جملته وصاروا تحت لوائه والملك لله انتهى وفي التاريخ الفارسي كان طقمتش خان ملك القيجاق قد وصل إلى سلطنة تلك البلاد بتقوية وإعانة تيمور ثم كفر النعمة وخالفه فجهز عليه العساكر مرتين إلى بلاد قيجاق التي طولها ألف وعرضها ستمائة فرسخ وفي كل مرة منهما يكون له الغلبة والظفر على طقمتش.
فتحه بلاد الهند يظهر أن توجهه إلى الهند كان سنة 799 لأنه سافر إليها على الظاهر بعد أخذه بلاد القفجاق وكان أخذها في أوائل سنة 799 ومر ذكر السبب في قصده بلاد الهند وهو وفاة ملكها فيروز شاه واضطراب أمورها. قال ابن عربشاه ثم اتفقوا على تولية وزير اسمه ملوا فعصى عليه أخوه شارنك خان والي مدينة ملتان فحين وصل تيمور إلى ملتان وبها شارنك حاصرها فخرجت اليه عساكرها ومعها ثمانمائة فيل وعليها الأبراج فيها المقاتلة وقد شدت في خراطيمها السيوف وكان تيمور أمر فصنع له أشواك من الحديد مثلثة الأطراف فألقاها ليلا في طريق الأفيال وجعل له كمينا عن اليمين والشمال فلما وطئت الأفيال تلك الأشواك نشبت في أرجلها فولت هاربة