اضطرامها. أعمى صاحبه وأصمه عن كل موعظة، فالموعظة لا تؤثر عليه، بل تزيده الموعظة غيظا، لأن نور العقل ينمحي بدخان الغضب، الذي انبعث من غليان دم القلب إلى الدماغ، فصار دماغه ككهف أضرمت فيه نار فاسود جوانبه، وامتلأ بالدخان، وكان فيه سراج ضعيف فانطفى وانمحى نوره، فلا يثبت فيه قدم، لا يسمع فيه كلام، ولا ترى فيه صورة، ولا يقدر على إطفائه لا من داخل ولا من خارج، بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق، فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ، وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا، كما تقوى النار فيتشقق وتنهد عاليه على أسفله.
ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر الزبد على الأشداق، وتحمر الأحداق إلى غير ذلك، فلو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، لأن القبح منه انتشر إلى الظاهر.
فهذا أثره في الجسد وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش، وقبيح الكلام الذي يستحيي منه ذوو العقول، ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك مع تخبط النظم، واضطراب اللفظ.
وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح، فإن فاته المغضوب عليه وعجز عن التشفي، رجع الغضب على صاحبه، فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه، وقد يضرب يده على الأرض، ويعدو عدو الواله السكران، والمدهوش المتحير، وربما سقط صريعا لا يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب، ويعتريه مثل الغشية، وربما يضرب الجمادات والحيوانات، فيضرب القصعة على الأرض - وقد تكسر وتراق المائدة - إذا غضب عليها، وقد يتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجماد، ويخاطبه ويقول: إلى متى منك كذا، ويا: كيت وكيت، كأنه يخاطب عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفسها ويقابلها به.