من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار؟ فقال: نعم سمعته، فأترك اللجام هنا وأذهب، فإذا جاء من يستحق ذلك وكتمته فليلجمني به.
وقال بعض الحكماء في قوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) *: إنه نبه على هذا المعنى، وذلك أنه لما منعنا من تمكين السفيه من المال الذي هو عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر تفاديا أنه ربما يؤديه إلى هلاك دنيوي، فلأن يمنع من تمكينه من حقائق العلوم الذي إذا تناوله السفيه أداه إلى ضلال وإضلال فهلاكه أحق وأولى.
وكما أنه واجب على الحكام إذا وجدوا من السفهاء رشدا أن يرفعوا عنهم الحجر، ويدفعوا إليهم أموالهم لقوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * فواجب على الحكماء إذا وجدوا من المسترشدين قبولا أن يدفعوا إليهم العلوم بقدر استحقاقهم، فالعلم قنية يتوصل بها إلى الحياة الأخروية كما أن المال قنية يتوصل بها في المعاونة إلى الحياة الدنيوية. وباذل العلم لمن لا يستحق يستوجب عقوبة، ومانعه من أهله عقوبات، قال تعالى: * (إن الذين يكتمون) * - الآية. إنتهى.
وينبغي أن نورد هنا ما أشار إليه من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد:
الخصال: عن كميل بن زياد قال: خرج إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بيدي وأخرجني إلى الجبانة (الجبان - خ ل)، وجلس وجلست، ثم رفع رأسه إلي فقال: يا كميل احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤا بنور العلم فيهتدون، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.
يا كميل محبة العالم دين يدان به، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، فمنفعة المال تزول بزواله.