لا سيما مع انضمام ما جرت به عادة الأنبياء والسلاطين والأمراء من استخلافهم عند قرب وفاتهم، وهل يريب عاقل في أن نزول النبي (صلى الله عليه وآله) في زمان ومكان لم يكن نزول المسافر متعارفا فيهما - حيث كان الهواء في غاية الحرارة، حتى كان الرجل يستظل بدابته ويضع الرداء تحت قدميه من شده الرمضاء، والمكان مملوا من الأشواك - ثم صعوده على الأقتاب أو الأحجار والدعاء لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) على وجه يناسب شأن الملوك والخلفاء وولاة العهد، ثم أمره الناس يبايعون عليا لم يكن إلا لنزول الوحي الإيجابي الفوري في ذلك الوقت، لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر، وهو استخلافه والأمر بوجوب طاعته.
أقول: إني قد بسطت الكلام في ذلك في كتابي المسمى ب " فيض الغدير فيما يتعلق بحديث الغدير " والله الموفق (1).
ومما يناسب نقله في هذا المقام، ما نقله ابن أبي الحديد، عن أبي جعفر النقيب في شرح قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة لبعض أصحابه، وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟
فقال: يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين ترسل في غير سدد، ولك بعد ذمامة الصهر وحق المسألة، وقد استعلمت فاعلم: أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون بالرسول نوطا فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله - الخ.
قال ابن أبي الحديد: وسألت أبا جعفر يحيى بن محمد العلوي نقيب البصرة - وقت قراءتي عليه - عن هذا الكلام، وكان (رحمه الله) على ما يذهب إليه من مذاهب العلوية منصفا وافر العقل فقلت له: من يعني (عليه السلام) بقوله: " كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين "؟ ومن القوم الذين عناهم الأسدي بقوله:
" كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به "؟ هل المراد يوم السقيفة أو يوم الشورى؟