عدو إلا المتقين) *.
وحق العالم أن يصرف من يريد إرشاده من الرذيلة إلى الفضيلة، بلطف في المقال، وتعريض في الخطاب. والتعريض أبلغ من التصريح لوجوه: منها: أن التعريض لا تهتك به سجوف الهيبة ولا يرتفع به ستر الحشمة. ومنها: أن للتعريض عبارات مختلفة، فيمكن إيراده على وجوه مختلفة بخلاف التصريح. ومنها: أن صريح النهي داع إلى الإغراء، ولذلك قيل: اللوم إغراء. وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله):
قال: لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه. قالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شئ.
ومن حق المعلم مع من يفيده العلم أن يقتدي بالنبي (صلى الله عليه وآله) فيما علمه الله حيث قال: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا) *، فلا يطمع في فائدة من جهة من يفيده علما ثوابا لما يوليه، ويعلم أن من باع علما بعرض دنيوي فقد ضاد الله تعالى في حكمه.
وذلك أن الله تعالى جعل المال خادما للطعام والملابس. وجعلهما خادمين للبدن، والبدن خادما للنفس، والنفس خادما للعلم، فالعلم مخدوم غير خادم، والمال خادم غير مخدوم، فمن جعل العلم ذريعة إلى اكتساب المال فقد جعل ما هو مخدوم غير خادم خادما، ويجب على الحكيم العالم النحرير أن يقتدي بالنبي (صلى الله عليه وآله) فيما قال: إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلم الناس بقدر عقولهم، وأن يتصور ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد - وأومأ إلى صدره - فقال: إن هاهنا علوما جما (جمة - خ ل) لو وجدت لها حملة - الخ.
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله، وقال (صلى الله عليه وآله): ما أحد يحدث قوما لا تبلغه عقولهم إلا كان ذلك فتنة على بعضهم.
وقال عيسى: لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، وكن كالطبيب الحاذق يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع.
وقيل: تصفح طلاب حكمك، كما تتصفح طلاب حرمك، وسأل جاهل حكيما عن مسألة من الحقائق فأعرض عنه ولم يجبه، فقال له: أما سمعت قول النبي (صلى الله عليه وآله)