غاية إلا أمها، ولا مظنة إلا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله.
وآخر قد تسمى عالما وليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال، ونصب للناس أشراكا من حبال غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كبير الجرائم، يقول:
أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول: أعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء، فأين تذهبون؟ وأنى تؤفكون؟ والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة - الخ.
بيان: " فاستشعر الحزن " أي جعله شعارا له. و " تجلبب الخوف " أي جعله جلبابا وهو ثوب يشمل البدن. " فزهر " أي أضاء. و " القرى " الضيافة. " فقرب على نفسه البعيد " أي مثل الموت بين عينيه. و " هون الشديد " أي الموت ورضي به واستعد له، أو المراد بالبعيد أمله الطويل، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت.
و " هون الشديد " أي كلف نفسه الرياضة على المشاق من الطاعات، وقيل: أريد بالبعيد رحمة الله، أي جعل نفسه مستعدة لقبولها بالقربات. و " الشديد " عذاب الله فهونه بالأعمال الصالحة، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما أعد له من الثواب. " نظر " أي بعينه. " فاعتبر " أو بقلبه. " فأبصر الحق من عذب فرات " أي العلوم الحقة، والكمالات الحقيقية. وقيل: من حب الله. " فشرب نهلا " أي شربا أولا سابقا على أمثاله. " سبيلا جددا " أي لا غبار فيه ولا وعث. و " السربال " القميص. و " الردى " الهلاك. و " قطع غماره " أي ما كان مغمورا فيه من شدائد الدنيا. " من أصدار كل وارد عليه " أي هداية الناس. و " أنى تؤفكون " أي تصرفون (1). وشرحنا هذه الخطبة في كتاب " تاريخ فلسفه وتصوف " فراجع إليه.
وفي وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن: فإن العالم من عرف أن ما يعلم