المشككة والشبه الملتبسة ما لم يتهذب في قوانين ما هو بصدده، لئلا تتولد له شبهة تصرفه عن التوجه، فيؤدي ذلك به إلى الإرتداد.
ولذلك نهى الله تعالى من لم يكن تقوى في الإسلام عن مخالطة الكفار، فقال:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) * وقال تعالى:
* (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل) * - الآية، ولأجل ذلك كره للعامة أن يجالسوا أهل البدع والأهواء لئلا يغووهم. فالعامي إذا خلا بأهل البدع فكالشاة إذا خلت بالسبع، فأما الحكيم فلا بأس بمجالسته إياهم، فإنه جار مجرى سلطان ذي أجناد وعدة وعتاد لا يخاف عليه العدو حيثما توجه، ولهذا جوز له الاستماع للشبه، بل أوجب عليه أن يتبع بقدر جهده كلامهم، ويسمع شبههم ليجادلهم ويدافعهم.
فالعالم أفضل المجاهدين، الجهاد جهادان: جهاد بالبنان، وجهاد بالبيان.
وقال: حق المعلم أن يجري متعلمه منه مجرى بنيه، فإنه في الحقيقة أشرف من الأبوين، كما قال الإسكندر وقد سئل منه: أمعلمك أكرم عليك أم أبوك؟ قال:
بل معلمي لأنه سبب حياتي الباقية، ووالدي سبب حياتي الفانية. وأي عالم لم يكن له من يفيده العلم، صار كعاقر لا نسل له فيموت ذكره بموته، ومتى استفيد علمه كان في الدنيا موجودا وإن فقد شخصه، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة.
وقال بعض الحكماء في قوله تعالى: * (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) *، أنه سأله نسلا يورثه علمه لا من يورثه ماله، فأعراض الدنيا أهون عند الأنبياء من أن يشفقوا عليها، وكذا قوله: * (وإني خفت الموالي من ورائي) * أي خفت أن لا يراعوا العلم، ولهذا قال (عليه السلام): العلماء ورثة الأنبياء. وكما أن حق أولاد الأب الواحد أن يتحابوا ويتعاضدوا ولا يتباغضوا، كذلك من حق بني العلم الواحد بل الدين الواحد أن يكونوا كذلك، فإخوة الفضيلة فوق إخوة الولادة، ولذلك قال تعالى: * (إنما المؤمنون إخوة) * وقال: * (الأخلاء بعضهم لبعض