لأن الإنصات مستحب، فلا يجامع وجوب القراءة، بل يناسب استحباب تركها. ودل على نفي وجوب القراءة في الأخيرتين دفعا لتوهم وجوبها العيني فيهما لأجل عدم القراءة في الأولتين.
وأما تخصيص الآية بالفريضة في الرواية فلا شهادة فيها على كون الأمر للوجوب، لجواز كون المراد بيان استحباب الإنصات في صلاة الجماعة، وكأن استحبابه في غير الصلاة بالسنة لا بالكتاب، فالإنصاف أن الصحيحة لا دلالة فيها على التحريم لا على الوجه الأول ولا على الوجه الثاني.
ومما ذكرنا يظهر حال رواية المرافقي، فإن التعبير فيها عن ترك القراءة في الجهرية بالإنصات مستشهدا بأمر الله تعالى به في الآية يظهر منه الاستحباب.
ومثلها كل ما يظهر منه الأمر بترك القراءة لأجل الإنصات فإنه يدل على الاستحباب بعد ما ظهر أن الأمر بالإنصات في الآية للاستحباب، مثل صحيحة ابن الحجاج المتقدمة (1) حيث عبر فيها (2) عن ترك القراءة بالإنصات، ونحوها حسنة زرارة: " إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك " (3)، وحيث تعين حمل الأمر في هذه على الاستحباب فلا مناص من حمل غيرها على ذلك، حتى ما ورد من البعث على غير الفطرة (4) بحمله على إرادة القراءة بقصد التعيين واللزوم، كما يحكى (5) عن جماعة من العامة، بل يمكن أن يكون الموصول في الرواية إشارة إلى نفس