فامر له بمائة دينار وقال دائم القليل خير من منقطع الكثير فقال له ونزر الوزير أكثر من جزيل غيره فامر له بمثلها وكان يجري عليه كل جمعة مائة دينار مدة مقامه ببابه. وكان الناس بباب جعفر بن يحيى وهو عليل فقيل لهم انه لا أذن عليه فكتب اليه أشجع:
لما اشتكى جعفر بن يحيى * فارقني النوم والقرار ومر عيشي علي حتى * كأنما طعمه المرار حزنا على جعفر بن يحيى * لا حقق الخوف والحذار إن يعفه الله لا نبالي * ما أحدث الليل والنهار فادخل أشجع وحده وانصرف سائر الناس.
ولما ولى الرشيد جعفر بن يحيى خراسان جلس للناس فدخلوا عليه يهنئونه ثم دخل الشعراء فأنشدوه فقام أشجع آخرهم فقال أتأذن لي في إنشاد شعر قضيت به حق سؤددك وكمالك وخففت به ثقل أياديك عندي فقال هات يا أبا الوليد فإنك أكثر شعرائنا برا بنا فأنشده هذه القصيدة وذكر في الأغاني والأوراق أبياتا منها وذكرها ابن عساكر في تاريخ دمشق بتمامها ونحن ذكرنا أكثر ما ذكره ابن عساكر وتركنا بعضه لغلط النسخة:
أتصبر يا قلب أم تجزع * فان الديار غدا بلقع غدا يتفرق أهل الهوى * ويكثر باك ومسترجع وتمضي الطلول ويبقى الهوى * ويصنع ذو الشوق ما يصنع فها أنت تبكي وهم جيرة * فكيف يكون إذا ودعوا وراحت بهم أو غدت أينق * تخب على الأين أو توضع أتطمع في العيش بعد الفرا * ق بئس لعمرك ما تطمع ترجى هجوعك من بعدهم * وأنت من الآن ما تهجع هنالك يقطع من يشتهي * الوصال ويوصل من يقطع لعمري لقد قلت الفراق * وأسمعت صوتك لو يسمع فما عرجوا حين ناديتهم * ولا آذنوك ولا ودعوا فان تصبح الأرض عريانة * تهب بها الشمال الزعزع فقد كان ساكنها ناعما * له محضر وله مربع ومغترب ينقضي ليله * قنوتا ومقلته تدمع يؤرقه ما بدا في الفؤاد * ما يستقر له مضجع ألا أن بالغور لي حاجة * تؤرق عيني فما تهجع إذا الليل ألبسني ثوبه * تقلب فيه فتى موجع يبرح بالعاشقين الهوى * إذا اشتملت فوقه الأضلع ولا يستطيع الفتى ستره * إذا جعلت عينه تدمع لقد زادني طربا بالعراق * بارق عودية يلمع إذا قلت قد هدأت عارضت * بأبيض ذي رونق بسطع ودوية بين أقطارها * مقاطع أرضين لا تقطع يضل القطا بين أرجائها * إذا ما سرى والفتى المصقع تخطيتها فوق عيرانة * من الريح في مرها أسرع إلى جعفر نزعت رغبة * وأي فتى نحوه تنزع إذا وضعت رجلها عنده * تضمنها البلد الممرع وما لامرئ دونه مطلب * وما لامرئ غيره مقنع رأيت الملوك تغض الجفون * إذا ما بدا الملك الأتلع يفوت الرجال بحسن القوام * ويقصر عن شاوه المسرع ولا يرفع الناس من حطه * ولا يضع الناس من يرفع يريد الملوك مدى جعفر * وهم يجمعون ولا يجمع وكيف ينالون غاياته * وما يصنعون كما يصنع وليس بأوسعهم في الغنى * ولكن معروفه أوسع هو الملك المرتجى للذي * يضيق بأمثاله الأذرع يلوذ الملوك بأبوابه * إذا نابها الحدث المفظع بديهته مثل تفكيره * متى رمته فهو مستجمع إذا هم بالأمر لم يثنه * رجوع ولا شادن أفرع فللجود في كفه مطلب * وللسر في صدره موضع وكم قائل إذا رأى ثروتي * وما في فضول الغنا أصنع غدا في ظلال ندى جعفر * يجر ثياب الغنى أشجع كان أبا الفضل بدر السما * ء لعشر خلت بعدها أربع لفرقته استوحشت بابل * وأشرق إذ أمه المطلع فقل لخراسان تحيا فقد * أتاها ابن يحيى الفتى الأروع فاقبل عليه جعفر ضاحكا واستحسن شعره وجعل يخاطبه مخاطبة الأخ أخاه بنثر أحسن من نظمه ثم أمر له بألف دينار وكان جعفر يقول ما مدحت بشعر أحب إلي من عينية أشجع يعني هذه ثم بدا للرشيد فعزله عن خراسان فوجم لذلك جعفر فدخل عليه أشجع فأنشده:
أمست خراسان تعزى بما * أخطاها من جعفر المرتجى كان الرشيد المعتلي أمره * ولى عليها المشرق الأبلجا ثم أراه رأيه أنه * أمسى اليه منهم أحوجا فكم به الرحمن من كربة * في مدة تقصر قد فرجا فضحك جعفر وقال لقد هونت علي العزل وقمت لأمير المؤمنين بالعذر فسلني ما شئت فقال قد كفاني جودك ذل السؤال فامر له بألف دينار آخر. وأعطي جعفر بن يحيى مروان بن أبي حفصة وقد مدحه ثلاثين ألف درهم وأعطى أشجع وقد مدحه معهما ثلاثة آلاف وكان ذلك في أول اتصاله فكتب اليه أشجع:
أعطيت مروان الثلاثين * التي حلت رعاثه وأبا النضير وإنما * أعطيتني معهم ثلاثة ما خانني حوك القصيد * وما اتهمت سوى الحداثة فامر له بعشرين ألف درهم أخرى. ووعد يحيى بن خالد أشجع السلمي وعدا فاخره عنه فقال له:
رأيتك لا تستلذ المطال * وتوفي إذا غدر الخائن فماذا تؤخر من حاجتي * وأنت لتعجيلها ضامن ألم تر أن احتباس النوال * لمعروف صاحبه شائن فلم يتعجل ما أراد فكتب إليه:
رويدك ان عز الفقر أدنى * إلي من الثراء مع الهوان وما ذا تبلغ الأيام مني * بريب صروفها ومعي لساني فبلغ قوله جعفرا فقال ويلك هذا تهديد فلا تعد لمثله وكلم أباه فقضى حاجته فقال: