أشجع إلى الرشيد هو الفضل بن الربيع وقال له هو أشعر شعراء هذا الزمان وقد اقتطعته عنك البرامكة فامر باحضاره وايصاله مع الشعراء فأنشده قصر عليه تحية وسلام القصيدة فاستحسنها الرشيد وأمر له بعشرين ألف درهم. وركب الرشيد يوما في قبة ومعه سعيد بن سالم الباهلي فاستدعى رجلا حسن الصوت ينشد الشعر فيطرب بحسن صوته أشد من أطراب الغناء فقال أنشدني قصيدة الجرجاني فأنشده فقال: الشعر في ربيعة سائر اليوم فقال له سعيد بن سالم يا أمير المؤمنين استنشده قصيدة أشجع فابي فلم يزل به حتى أجاب إلى استماعها فلما بلغ إلى قوله وعلى عدوك والذي بعده قال له سعيد والله يا أمير المؤمنين لو خرس بعد هذين البيتين لكان أشعر الناس. وقال سعيد بن سليم الباهلي كنت عند الرشيد فدخل عليه أشجع ومنصور النمري فأنشده أشجع: قصر عليه تحية وسلام فجلست أرفع منه وتعصبت للقيسية فلما بلغ قوله: وعلى عدوك يا بن عم محمد البيتين. استحسن ذلك الرشيد وأومأت إلى أشجع أن يقطع الشعر وعلمت أنه لا يأتي بمثلهما فلم يفعل ومر في شعره ففتر الرشيد بعد البيتين وكان عالما بالشعر ثم ضرب بمخصرة كانت بيده الأرض فأنشده النمري قوله:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع * إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع فمر والله في قصيدة قلما تقول العرب مثلها فجعل الرشيد يضرب بمخصرته الأرض ويقول الشعر في ربيعة سائر اليوم فلما خرجنا قلت لأشجع غمزتك أن تقطع فلم تفعل ويلك ولم تأت بشئ فهلا مت بعد البيتين أو خرست فكنت تكون أشعر الناس. وفي الأوراق قال الرشيد لأشجع من أين أخذت قولك وعلى عدوك البيتين فقلت لا أكذب والله من قول النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مدركي * وإن خلت ان المنتأى عنك واسع فقال صه هو عندي من كلام الأخطل لعبد الملك بن مروان وقد قال له أنا مجيرك من الجحاف فقال من يجيرني منه إذا نمت. ودخل أشجع على الرشيد وقد مات ابن ابن له والناس يعزونه فأنشده:
نقص من الدين ومن أهله * نقص المنايا من بني هاشم قدمته فاصبر على فقده * إلى أبيه وأبي القاسم فقال الرشيد ما عزاني اليوم أحد أحسن من تعزية أشجع وأمر له بصلة. وكتب أشجع إلى الرشيد وقد أبطا عنه شئ أمر له به:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة * لها عنق بين الرواة فسيح بان لسان الشعر ينطقه الندى * ويخرسه الابطاء وهو فصيح فضحك الرشيد وقال لن يخرس لسان شعرك وأمر بتعجيل صلته وفي الأغاني والأوراق: لما انصرف الرشيد من غزوته التي فتح بها هرقلة قدم الرقة في آخر شهر رمضان فلما عيد جلس للشعراء فدخلوا عليه وفيهم أشجع فبدرهم وأنشأ يقول:
لا زلت تنشر أعيادا وتطويها * تمضي بها لك أيام وتمضيها مستقبلا بهجة الدنيا ولذتها * أيامها لك نظم في لياليها العيد والعيد والأيام بينهما * موصولة لك لا تفنى وتفنيها ولا تقضت بك الدنيا ولا برحت * يطوي بك الدهر أياما وتطويها وليهنك الفتح والأيام مقبلة * إليك بالنصر معقودا نواصيها أمست هرقلة تهوي من جوانبها * وناصر الله والاسلام يرميها ملكتها وقتلت الناكثين بها * بنصر من يملك الدنيا ومن فيها ما روعي الدين والدنيا على قدم * بمثل هارون راعيه وراعيها فامر له بألف دينار وقال لا ينشدني أحد بعده، فقال أشجع والله لأمره بان لا ينشده أحد بعدي أحب إلي من صلته. ودخل أشجع على الرشيد ثاني يوم الفطر فأنشده:
استقبل العيد بعمر جديد * مدت لك الأيام حبل الخلود مصعدا في درجات العلا * نجمك مقرون بسعد السعود واطو رداء الشمس ما اطلعت * نورا جديدا كل يوم جديد تمضي لك الأيام ذا غبطة * إذا أتى عيد طوى عمر عيد فوصله بعشرة آلاف درهم. ودخل أشجع على الرشيد حين قدم من الحج وقد مطر الناس يوم قدومه فأنشده:
ان يمن الامام لما أتانا * جلب الغيث من متون الغمام فابتسام النبات في اثر * الغيث بنواره كسرج الظلام ملك من مخافة الله مغض * وهو مغضى له من الإعظام ألف الحج والجهاد فما * ينفك من سفرتين في كل عام سفر للجهاد نحو عدو * والمطايا لسفرة الاحرام طلب الله فهو يسعى اليه * بالمطايا وبالجياد السوام فيداه يد بمكة تدعوه * وأخرى في دعوة الاسلام وفي الأوراق: بسنده لما عقد الرشيد البيعة لابنيه وكتب بينهما كتابا علقه في سقف الكعبة ما كان شئ أعجب اليه يسمعه من استصابة رأيه في ذلك وتوكيده من شعر أنشده أشجع:
قل للإمام ابن الإمام * أهل التحية والسلام ان الخلافة لم تزل * بيديك موثقة الزمام استأنس الحرمان منك * بزورة في كل عام والحجر والحجر الأصم * بطول مس واستلام قضيت نسكك وانصرفت * بخير ظعن أو مقام وكتبت بين خليفتيك * كتاب قطع للخصام عقد شددت قواه ما * سجع الحمام مع الحمام قلدته عنقيهما * بشهادة البيت الحرام والمسلمون شهود ذا * لك بين زمزم والمقام وشهيدك الله العلي * عليهما وعلى الأنام وأمر الرشيد بحفر نهر لبعض أهل السواد كان قد خرب وبطل ما عليه فقال أشجع:
اجرى الامام الرشيد نهرا * عاش باجرائه الموات جاد عليه بريق فيه * وسر مضمونه الفرات القحه درة لقوحا * يرضع أخلافها النبات على رياض له بنات * ما ولدتهن أمهات