يسكن الطير في الشباك ولا * تسكن روعات قلبه الرجاف معصم بالفرار تحمله الرهبة * بين الايضاع والايجاف اتصاله بالرشيد واخباره معه يظهر أنه بعد ما تأدب بالبصرة وقال الشعر وبرع فيه طلب سوقا تنفق فيه بضاعته فقصد حضرة الرشيد لأنها كانت محط رحال الشعراء والخليفة يمنحهم الجوائز الجليلة والبرامكة هناك ممدحون مشهورون بالجود والعطاء وكانت بيوت أموال المسلمين في تلك الأعصار ينفق قسم عظيم منها على المغنين والقيان ومن ساعده الحظ من الشعراء فنزل أشجع بغداد واتصل بالبرامكة ومدحهم فاعجبوا به وأجازوه وأوصلوه إلى الرشيد فمدحه وأعجب به وأجازه وأتى الرقة ومدح الرشيد بها فاجازه وفضله على غيره من الشعراء وكانت الرقة مصيف الرشيد وكان يقيم بها كثيرا وله فيها قصر مشيد يسمى القصر الأبيض لكن لا يعلم أن اتصاله بالبرامكة كان في بغداد أو في الرقة ففي الأغاني وكتاب الأوراق كما ستعرف التصريح بان أشجع قدم من البصرة إلى الرقة فيكون أول اتصاله بالرشيد في الرقة لا في بغداد ولا يظهر من ذلك الخبر أنه اتصل بالبرامكة قبل اتصاله بالرشيد ولا أنهم هم الذين أوصلوه إلى الرشيد بل ظاهر قوله الآتي ونالتني خلة أنه لم يكن اتصل بهم بعد وإلا لسدوا خلته على أن المروي كما سبق أنه نزل بالرقة على بني سليم فتقبلوه وأكرموه وأزالوا خلته ولا يبعد أن يكون اتصل بالبرامكة في الرقة ومدحهم قبل إتصاله بالرشيد وإن لم يذكر في الخبر، وأن الخلة التي نالته كانت قبل نزوله على بني سليم وقبل اتصاله بالبرامكة وان البرامكة هم الذين جعلوه في جملة الشعراء الثمانية الذين تقدموا لمدح الرشيد كما يأتي وإن نزوله بغداد كان بعد ذهابه للرقة فإنه جاء من البصرة إلى الرقة ثم جاء من الرقة إلى بغداد ونزلها ولكن يظهر من بعض ما يأتي أن اتصاله بالبرامكة كان في بغداد وأن اتصاله بالرشيد كان في الرقة بسبب الفضل بن الربيع لا بسبب البرامكة ويدل عليه قول أشجع في الدالية الآتية التي يمدح بها الفضل بن الربيع:
ووصفتني عند الخليفة غائبا * وأذنت لي فشهدت أفخر مشهد وظاهر كلام الخطيب السابق أن جعفر هو الذي وصله بالرشيد فمدحه وهو بالرقة وهو الذي فهمه ابن عساكر فإنه نقل عن الخطيب أنه قال مدح جعفرا بقصائد كثيرة وأوصله إلى الرشيد فمدحه وهو بالرقة بقصيدة تمكنت بها حاله عند الرشيد وأولها:
قصر عليه تحية وسلام * خلعت عليه جمالها الأيام وبالجملة فالأخبار في ذلك غير متفقة والله أعلم. ونحن ننقل أخباره مع الرشيد من الأغاني وكتاب الأوراق لأبي بكر الصولي محمد بن يحيى وهو معاصر لصاحب الأغاني ويروي صاحب الأغاني عنه وقد ننقل من غيرهما.
في الأغاني وكتاب الأوراق: حدث أشجع قال شخصت من البصرة إلى الرقة فوجدت الرشيد غازيا ونالتني خلة فخرجت حتى لقيته منصرفا من الغزو فصاح صائح ببابه من كان هاهنا من الشعراء فليحضر يوم الخميس فحضرنا سبعة وأنا ثامنهم وأمرنا بالبكور في يوم الجمعة فبكرنا وأدخلنا وقدم واحد واحد منا ينشد على الأسنان وكنت أحدث القوم سنا وأرثهم حالا فما بلغ إلي حتى كادت الصلاة أن تجب فقدمت والرشيد على كرسي وأصحاب الأعمدة بين يديه سماطان فقال لي أنشدني فخفت أن أبتدئ من قصيدتي التي أولها:
تذكر عهد البيض وهو لها ترب * وأيام يصبي الغانيات ولا يصبو فابتدأت قولي في المديح:
إلى ملك يستغرق المال جوده * مكارمه نثر ومعروفه سكب وما زال هارون الرضى بن محمد * له من مياه النصر مشربها العذب متى تبلغ العيس المراسيل بابه * بنا فهناك الرحب والمنزل الرحب وما بعد هارون الامام لزائر * يرجي الغنى جدب ولا دونه خصب لقد جمعت فيك الظنون ولم يكن * لغيرك ظن يستريح له قلب جمعت ذوي الأهواء حتى كأنهم * على منهج بعد افتراقهم ركب بثثت على الأعداء أبناء دربة * فلم تقهم منهم حصون ولا درب وما زلت ترميهم بهم متفردا * أنيساك حزم الرأي والصارم العضب جهدت فلم أبلغ علاك بمدحة * وليس على من كان مجتهدا عتب فضحك الرشيد وقال لي خفت أن يفوت وقت الصلاة فينقطع المديح عليك فبدأت به وتركت التشبيب وأمرني بان أنشده التشبيب فأنشدته إياه فامر لكل واحد من الشعراء بعشرة آلاف درهم وأمر لي بضعفها عشرين ألف درهم وقال ابن عساكر قيل إنه لما أنشده هذه القصيدة أعطاه مائة ألف درهم.
وفي الأغاني والأوراق وتاريخ ابن عساكر واللفظ مأخوذ من المجموع بالاسناد عن أحمد بن سيار الجرجاني وكان راوية شاعرا: قال دخلت أنا وأشجع والتيمي أبو محمد وابن رزين الخراساني على الرشيد بالرقة وقد فرع من قصره الأبيض وكان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة فجعلنا نتخلل الدماء حتى وصلنا اليه فأنشده أبو محمد التيمي قصيدة له يذكر فيها تغفور وقعته ببلاد الروم فنثر مثل الدر من جودة شعره وأنشده أشجع قوله:
قصر عليه تحية وسلام * نثرت عليه جمالها الأيام فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت * للملك فيه سلامة ودوام قصر سقوف المزن دون سقوفه * فيه لأعلام الهدى إعلام نشرت عليه الأرض كسوتها التي * نسج الربيع وزخرف الأرهام أدنتك من ظل النبي وصية * وقرابة وشجت بها الأرحام برقت سماؤك في العدو وأمطرت * هاما لها ظل السيوف غمام وإذا سيوفك صافحت هام العدى * طارت لهن عن الرؤوس الهام تثني على أيامك الأيام * والشاهدان الحل والاحرام وعلى عدوك يا ابن عم محمد * رصدان ضوء الصبح والأظلام فإذا تنبه رعته وذا غفا * سلت عليه سيوفك الأحلام وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا وقال أحسن الله هكذا تمدح الملوك ودنوت أنا فأنشدته بعد أشجع:
زمن بأعلى الرقتين قصير * لم يثنه للحادثات غرير لا تبعد الأيام إذ ورق الصبا * غض وإذا غضن الشباب نضير ومضيت في القصيدة حتى أتممتها فاعجب بها وقال قل للمغنين يعملوا ألحانا في تشبيب هذه القصيدة فوجه إلي الفضل بن الربيع أنفذ إلي قصيدتك فاني أريد أن أنشدها الجواري. وفي رواية الأغاني أن الذي أوصل