الناس انفذوا بعث اسامة فلعمري لئن قلتم في امارته لقد قلتم في امارة أبيه من قبله وانه لخليق بالامارة وان كان أبوه لخليقا بها الحديث أو قال نحو ذلك. وفي الدرجات الرفيعة: روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز في كتاب السقيفة قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن ان رسول الله ص امر في مرض موته أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جل المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأمره ان يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد وان يغزو وادي فلسطين فتثاقل اسامة وتثاقل الجيش بتثاقله وجعل رسول الله ص في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث حتى قال له أسامة بأبي أنت وأمي أتأذن لي ان امكث أياما حتى يشفيك الله تعالى فقال:
اخرج وسر على بركة الله تعالى، فقال: يا رسول الله اني ان خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك. فقال سر على النصر والعافية فقال يا رسول الله اني اكره ان اسال عنك الركبان، فقال انفذ لما أمرتك به ثم أغمي على رسول الله ص وقام اسامة فتجهز للخروج فلما أفاق رسول الله ص سال عن اسامة والبعث فأخبر انهم يتجهزون فجعل يقول انفذوا بعث اسامة لعن الله من تخلف عنه ويكرر ذلك، فخرج اسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين والأنصار وأسيد بن حضير وبشر بن سعد وغيرهم فجاء رسول أم أيمن يقول له ادخل فان رسول الله ص يموت فقام من فوره فدخل المدينة و اللواء معه فجاء به حتى ركزه بباب رسول الله ص ورسول الله قد مات في تلك الساعة قال فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان اسامة إلى أن ماتا الا بالأمير انتهى.
وروى أهل السير ان أبا بكر بعد ما بويع بالخلافة بعض اسامة على مقتضى امر رسول الله ص إلى حرب الشام فخرج وسار إلى أهل ابني بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح النون بوزن فعلى فأغار عليهم وقتل من أشرف وسبى من قدر عليه وقتل من قاتل أباه ورجع إلى المدينة بالغلبة والظفر وكانت مدة غيبته في تلك السفرة أربعين يوما فخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا لقدومهم وسلامتهم.
وروى الطبرسي في الاحتجاج ما يدل على أن اسامة لم يرجع إلى المدينة الا بعد ان بويع أبو بكر بالخلافة وكتب اليه بالرجوع وانه جرى بينه وبينه في ذلك حوار وحجاج وانه أنكر عليه امره.
وفي أسد الغابة بسنده عن أسامة بن زيد ان رسول الله ص ركب على حمار عليه قطيفة وأردف وراءه اسامة وهو يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر قال ولما فرض عمر بن الخطاب فرض لأسامة بن زيد خمسة آلاف وفرض لابنه عبد الله بن عمر ألفين، فقال ابن عمر: فضلت علي اسامة وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال: ان اسامة كان أحب إلى رسول الله منك وأبوه أحب إلى رسول الله من أبيك، قال: وروى محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر النبي ص فدعي مروان إلى جنازة ليصلي عليها فصلى عليها ثم رجع وأسامة يصلي عند باب بيت النبي ص فقال له مروان انما أردت ان يرى مكانك فعل الله بك وقال قولا قبيحا ثم ادبر فانصرف اسامة وقال يا مروان انك آذيتني وانك فاحش متفحش واني سمعت رسول الله ص يقول: ان الله يبغض الفاحش المتفحش انتهى.
وحكى المسعودي في مروج الذهب قال تنازع أسامة بن زيد وعمرو بن عثمان بن عفان إلى معاوية في ارض فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جانب عمرو وقام الحسن بن علي فجلس إلى جانب اسامة وقام سعيد بن العاص فجلس إلى جانب مروان فقام الحسين بن علي وجلس إلى جانب أخيه وقام عبد الله بن عامر فجلس إلى جانب سعيد بن العاص فقام عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فجلس إلى جانب الحسين فقام عبد الرحمن بن الحكم فجلس إلى جانب عبد الله بن عامر فقام عبد الله بن العباس فجلس إلى جانب عبد الله بن جعفر فلما رأى ذلك معاوية قال: لا تعجلوا انا كنت شاهدا إذ اقطعها رسول الله ص اسامة فقام الهاشميون فخرجوا واقبل الأمويون وقالوا ألا كنت أصلحت بينهما فقال دعوني فوالله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين الا لبس علي عقلي انتهى ومن هذا الخبر وغيره يظهر ميل الهاشميين إلى اسامة خصوصا خبر وفاء الحسين ع دينه وتكفينه إياه وذلك وفاء منهم لأنه مولى جدهم ص لكن النفس لا تميل إلى اسامة لتركه بيعة علي ع ان صح وتركه القتال معه وعدم تنفيذه ما امر به رسول الله ص. فبعد هذه الأمور لا تميل النفس اليه مهما كانت حالته.
خلاصة القول فيه لا شك انه حصل منه خطا في قتله الرجل الذي اظهر الاسلام وفي تخلفه عن انفاذ امر رسول الله ص في المسير بالجيش وفي تخلفه عن بيعة علي ع ان صح وفي عدم قتاله معه وعدم صحة العذر الذي اعتذر به عن ذلك كما امر اما قتله من اظهر الاسلام فقد تاب منه وندم حتى أنه حلف لا يقاتل من يظهر الشهادتين طول عمره. واما تخلفه عن علي ع فقد مر عن الباقر ع انه رجع ونهيه عن أن يقال فيه الا خير وعن كتاب سليم بن قيس أنه قال الناس بايعت عليا ع طائعين غير مكرهين غير ثلاثة رهط بايعوه ثم شكوا في القتال معه وقعدوا في بيوتهم محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد سلم بعد ذلك ورضي ودعا لعلي ع واستغفر له وبرئ من عدوه وشهد انه على الحق ومن خالفه ملعون حلال الدم انتهى ويشهد لرجوعه وحسن حاله عطف الطالبيين عليه وانتصارهم له وتعصب بني أمية عليه وانتصارهم لخصمه في مخاصمته مع عمرو بن عثمان، وتحامل مروان عليه وإساءته القول فيه حين كان يصلي ولم يحضر معه الصلاة على الجنازة، وقضاء الحسين ع دينه وتكفينه إياه وامر أمير المؤمنين ع ان يعوض عن عطائه من ماله بالمدينة وإظهاره العذر له في ترك القتال معه ويشهد لميله إلى أمير المؤمنين ع قوله لو كنت في أسد لدخلت معك وقوله لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها كما تقدم ذلك كله فالمترجح دخوله في موضوع الكتاب والله أعلم.
مما علق على الطبعة الأولى من هذا الكتاب وأجاب عنه المؤلف كتب أحد الفضلاء: ذكرتم في ج 10 تحت عنوان حرق كتب الشيخ الطوسي في سنة 449 بعد استيلاء طغرل السلجوقي الخ...
وأتذكر ان ابن الأثير ذكر في حوادث سنة 443 من كامله إحراق الأضرحة الذي ذكرتموه وفيه تفاصيل أكثر مما ذكرتم، فهل يا ترى تلك حادثة غير التي ذكرتموها؟.
ونقول حادثة إحراق مشهد الكاظم والجواد ع ذكرها