حب المال بأن باع جميع ماله، ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على الناس وعونة الجود ورياء البذل. وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعود نفسه الحلم. وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا.
قال المصنف: أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد، كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها، وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم، وقال قبل أن يورد هذه الحكايات: يبتغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدي، فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته، أخذه وصرفه في الخير، وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه.
وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه، أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك. وإن رأى الغالب عليه البطالة، استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة، وملازمة المطبخ ومواضع الدخان. وإن رأى شره الطعام غالبا عليه، ألزمه الصوم. وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم، أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء، ويمنعه اللحم رأسا.
قلت: وإني لأتعجب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة، وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل، فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا، وكيف يحل رمي المال في البحر وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن إضاعة المال، وهل يحل سب مسلم بلا سبب؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك؟ وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه، وذلك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج، وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب.
فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف.
وقال أيضا (1): وحكى أبو حامد الغزالي عن ابن الكريني أنه قال: نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح، فدخلت الحمام وغيبت علي ثيابا فاخرة، فسرقتها ولبستها، ثم لبست مرقعتي فوقها وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا، فلحقوني