النبي (صلى الله عليه وآله) للجماعة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وإقرارهم له بذلك، ثم قوله متبعا لقوله الأول بلا فصل: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا قرينة على أن المراد بالمولى الأولى، ولا ينكر ذلك إلا جاهل بأساليب الكلام أو متجاهل لعصبيته على أن ما يحتمله لفظ المولى ينقسم إلى أقسام. منها: ما لم يكن كالمعتق والحليف، ومنها: ما كان عليه ومعلوم أنه لم يرده كالمالك والجار والصهر والمعتق وابن العم، ومنها: ما كان عليه ويعلم بالدليل أنه لم يرده، وهو الولاية والنصرة والمحبة، وولاء المعتق، فلم يبق إلا القسم الرابع وهو الأولى.
وقد ذهب جمع من المخالفين إلى تجويز كون المراد الناصر والمحب، ولا يخفى على عاقل أنه ما كان يتوقف بيان ذلك على اجتماع الناس لذلك في شدة الحر، بل كان هذا أمرا يجب أن يوصى به عليا (عليه السلام) بأن ينصر ويحب من كان الرسول ينصره ويحبه، ولا يتصور في أخبار الناس بذلك فائدة يعتد بها.
على أن الأخبار المروية عن الطريقين الدالة على أن قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * نزلت في يوم الغدير تدل على أن المراد بالمولى ما يرجع إلى الإمامة الكبرى، إذ ما يكون سببا لكمال الدين وتمام النعمة على المسلمين لا يكون إلا ما يكون من أصول الدين، بل من أعظمها، وهي الإمامة التي بها يتم نظام الدنيا والدين، وبالاعتقاد بها تقبل أعمال المسلمين.
وكذا الأخبار الدالة على نزول قوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك) * في علي مما يعين أن المراد بالمولى الأولى والخليفة والإمام.
ومما يدل على أن المراد بالمولى هنا الإمامة فهم من حضر ذلك المكان وسمع هذا الكلام، هذا المعنى، كحسان حيث نظمه في شعر، والمتواتر وغيره من شعراء الصحابة والتابعين وغيرهم، وكالحارث بن نعمان الفهري على ما رواه الثعلبي وغيره أنه هكذا، فهم الخطاب حيث سمعه إلى غير ذلك.
ومما يدل على ذلك أن الأخبار الخاصية والعامية المشتملة على تلك الواقعة تصلح لكونها قرينة لكون المراد بالمولى ما يفيد الإمامة الكبرى والخلافة العظمى،