كان هذا التصرف سائغا، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه؛ لأن البيع معاوضة، فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن، والرهن استيثاق، والاستيثاق يحصل بما لا يملك، كما يحصل بالكفالة والإشهاد.
إذا ثبت هذا، فإن لمالك العبد الرجوع في الإذن قبل الرهن إجماعا؛ لأن العارية قد بينا أنها غير لازمة، ولم يحصل الضمان بعد، فعلى قول العارية ظاهر، وعلى قول الضمان: فلأنه بعد لم يلزم.
وهل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض؟ إن قلنا: إن القبض ليس شرطا في صحة الرهن، لم يكن له الرجوع؛ لأن الرهن قد لزم بنفس العقد. وإن قلنا: إنه شرط، صح الرجوع؛ لأن المستعير مخير في فسخ الرهن قبل القبض، فإذا لم يلزم في حقه وهو المديون، فأولى أن لا يلزم في حق غيره، وبه قالت الشافعية (1).
وأما بعد القبض فليس للمالك الرجوع في إذن الرهن، وبه قال الشافعي على قول الضمان، وأما على قول العارية فوجهان:
أحدهما: أن له أن يرجع؛ جريا على مقتضى العارية.
والأظهر: أنه لا يرجع، وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، ولا يحصل به توثق (2).
وقال بعضهم: إنه إذا كان الدين مؤجلا، ففي جواز الرجوع قبل حلول الأجل وجهان؛ لمنافاته (3) الإذن بمدة، كما لو أعار للغراس مدة (4).