ولوعه بالسجع والجناس كان الصاحب مولعا بالسجع والجناس كثيرا يعلم ذلك من تتبع كلامه كقوله الحشم والخدم والغاشية والحاشية والمرتبة والمصطبة والطاق والرواق والمجالس والطنافس والإنصاف والاسعاف والاتحاف والأطراف والموهبة والمقاربة والمؤنسة والمقابسة وقوله الرأي أقومه أحكمه وأشده أسده وهو يراعي السجع أيضا في أجزاء الجملة كقوله الموهبة التي ساقها إليه ومد رواقها عليه وقوله فاجرى جياده غرا وقرحا وأورى زناده قدحا فقدحا.
وقوله: تهضمه شغفا ببلدتك وتظلمه كلفا باهل جلدتك وقوله أطع سلطان النهي دون شيطان الهوى وقوله ومن أساء جوارها راكبا هواه وأخفى منارها ناكبا عن منحاه.
وفي معجم الأدباء قال أبو حيان التوحيدي: كان كلفه بالسجع في الكلام والقلم عند الجد والهزل يزيد على كلف كل من رأيناه في هذه البلاد قلت لابن المسيبي أين يبلغ ابن عباد في عشقه للسجع قال يبلغ به ذلك لو أنه رأى سجعة تنحل بموقعها عروة الملك ويضطرب بها حبل الدولة ويحتاج من أجلها إلى غرم ثقيل وكلفة صعبة وتجشم أمور وركوب أهوال لما كان يخف عليه أن يفرج عنها ويخليها بل يأتي ويستعملها ولا يعبأ بجميع ما وصفت من عاقبتها انتهى.
وقال صاحب معاهد التنصيص عزل الصاحب عاملا بقم فكتب إليه: أيها العامل بقم قد عزلناك فقم انتهى ويقال أن هذا القاضي قال ليس لي ذنب يوجب عزلي وما عزلني إلا السجع وفي معجم الأدباء قال ذو الكفايتين ابن العميد خرج ابن عباد من عندنا من الري متوجها إلى أصفهان ومنزله ورامين وهي قرية كالمدينة فجاوزها إلى قرية غامرة وماء ملح لا لشئ الا ليكتب الينا: كتابي هذا من النوبهار يوم السبت نصف النهار انتهى وينقسم نثره لي إلى قسمين أحدهما توقيعاته وأجوبته وكلماته القصار والثاني رسائله.
توقيعاته له توقيعات ظريفة في اليتيمة حدثني أبو الحسن علي بن محمد الحميري قال رفع الضرابون إلى الصاحب من دار الضرب قصة في ظلامة مترجمة بالضرابون فوقع تحتها في حديد بارد قال وكتب اليه بعضهم رقعة أغار فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظه فوقع تحتها هذه بضاعتنا ردت الينا ووقع في رقعة استحسنها أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ووقع في كتاب بعض مخالفيه ويل لهم مما كتبت أيديهم وويل مما يكسبون ووقع في رقعة أبي محمد الخازن وكان ذلك مغاضبا ثم كتب اليه يستأذن في معاودة حفرته ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وكتب اليه أبو العباس الضبي يشفع بأبي محمد الخازن فورد اليه هذا التوقيع: ذكر مولاي أدام الله عزه عود أبي محمد الخازن أيده الله للفناء الذي فيه درج والوكر الذي منه خرج وقد علم الله أن إشفاقي عليه في اغترابه لم يكن بأقل منه عند ايابه فان أحب أن يقيم مديدة يقضي فيها وطر الغائب ويضع معها أوزار الآيب فليكن في ظل من مولانا ظليل ورأي منه جميل، وبر من ديواننا جليل وان حفزه الشوق فمرحبا بمن قربته التربية لدينا فأفسدته العزة علينا وردته التجربة الينا وسبيله أن يرفد بما يزيل شغل قلبه بعياله ويعينه على كل ارتحاله إن شاء الله تعالى. قال وعرض على أبي الحسن الشقيقي البلخي توقيع الصاحب اليه في رقعة من نظر لدينه نظر لدنياه فان آثرت العدل والتوحيد بسطنا لك الفضل والتمهيد وإن أقمت على الجبر فليس لكسرك من جبر ووقع في رقعة بعض خطاب الأعمال: التصرف لا يلتمس بالتكفف إن احتجنا إليك صرفناك والا صرفناك ودفع اليه بعض منهي الأخبار أن رجلا ممن ينطوي له على غير الجميل يدخل داره في غمار الناس ثم يتلوم على استراق السمع فوقع: دارنا هذه خان يدخلها من وفى ومن خان قال: سمعت الامام أبا الفضل الميكالي يقول كتب بعض العمال رقعة إلى الصاحب في التماس شغل وفي الرقعة فان رأى مولانا أن يأمر باشغالي ببعض أشغاله، فوقع تحتها: من كتب إشغالي لا يصلح لأشغالي أقول وذلك لأنه يقال شغله لا أشغله لأنه متعد بنفسه قال وسمعت أبا النصر محمد بن عبد الجبار العتبي يقول كتب بعض أصحاب الصاحب رقعة إليه في حاجة فوقع فيها ولما ردت اليه لم ير فيها توقيعا وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقيع فيها فعرضها على أبي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيع وهو ألف واحدة وكان في الرقعة فان رأى مولانا أن ينعم بكذا فعل فاثبت الصاحب أمام فعل ألفا يعني افعل وقال حدثني أبو منصور اللجيمي الدينوري قال أهدى العميري قاضي قزوين كتبا وكتب معها:
للعميري عبد كافي الكفاة * ومن اعتد في وجوه القضاة خدم المجلس الرفيع بكتب * مفعمات من حسنها مترعات فوقع تحتها:
قد قلبنا من الجميع كتابا * ورددنا لوقتها الباقيات لست أستغنم الكثير فطبعي * قول خذ ليس مذهبي قول هات وقال وكتب اليه بعض العلوية يخبره بأنه رزق مولودا ويسأله أن يسميه ويكنيه فوقع في رقعته أسعدك الله بالفارس الجديد السعيد فقد والله ملأ العين قرة والنفس مسرة مستقرة والاسم علي ليعلي الله ذكره والكنية أبو الحسن ليحسن الله أمره فاني أرجو له فضل جده وسعادة جده وقد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال قصدت بها مقصد الفال رجاء أن يعيش مائة عام ويخلص خلاص الذهب الابريز من نوب الأيام والسلام قال وكتب اليه أبو منصور الجرجاني:
قل للوزير المرتجى * كافي الكفاة الملتجي إني رزقت ولدا * كالصبح إذ اثبلجا لا زال في ظلك ظل * المكرمات والحجى فسمه وكنه * مشرفا متوجا فوقع تحتها:
هنئته هنئته * شمس الضحى بدر الدجى فسمه محسنا * وكنه أبا الرجا قال وعرض علي بعض الأصبهانيين رقعة لأبي حفص الوراق الأصبهاني قد أخذ منها البلى وفيها توقيع الصاحب وهذه نسختها: لولا أن الذكرى أطال الله بقاء مولانا الصاحب تنفع المؤمنين وهز الصمصام تعين المصلتين لما ذكرت ذاكرا ولا هززت ماضيا ولكن ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح ويكد الجواد السمح وحال عبد مولانا أدام الله تأييده في الحنطة مختلفة وجرذان داره عنها منصرفة فان رأى أن يخلط عبده بمن