على لسان كاتبه أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف.
رضاه عن نفسه وإعجابه بها وتواضعه لأهل العلم والزهد وغيرهم كان يظهر من كثير من أحوال الصاحب رضاه عن نفسه وإعجابه بها وافتتانه بمظاهر الأبهة والعظمة وأنه كان يحب التعاظم والبذخ والخيلاء وذلك ليس بمستغرب من وزير عظيم يعد من أفراد الوزراء الذين علت منزلتهم وسمت درجتهم ووقعت هيبتهم في قلوب الخاصة والعامة وذاع صيتهم في الأقطار وساعدتهم على مرامهم الأقدار وجمعوا إلى سلطان الوزارة سلطان العلم والأدب فقد عرفت أنه كان لا يقوم لأحد وأنه لم يرض أن يتبسط مع مخدومه وسلطانه فخر الدولة وإن فخر الدولة كان يهابه وينكمش عن كثير مما يرومه لمكانه وفي كثير مما مر ويأتي ما يدل على ذلك وليس لنا أن نعد ذلك نقصا فيه ولا أمرا يعاب به فإنه كان مع كل هذه العظمة والمهابة متواضعا حيث يحسن التواضع لينا حيث يلزم اللين فمع أنه كان لا يقوم لأحد فقد قام لبعض زهاد المعتزلة وعلمائهم كما مر عن تاريخ الآبي واليتيمة وكان في جملة من حالاته إلى التواضع أقرب منه إلى التعاظم كقوله لجلسائه كما في اليتيمة نحن بالنهار سلطان وبالليل أخوان وجملة من أخباره الماضية والآتية تدل على ذلك واحتمل من القاضي عبد الجبار عدم ترجله له لأجل شرف العلم ففي معجم الأدباء كان الصاحب جعل القاضي عبد الجبار قاضي القضاة بهمذان والجبال فاستقبله يوما ولم يترجل له وقال له أيها الصاحب أريد أن أترجل للخدمة ولكن العلم يأبى ذلك وكان يكتب في عنوان كتابه إلى الصاحب داعيه عبد الجبار بن أحمد ثم كتب وليه عبد الجبار بن أحمد ثم كتب عبد الجبار بن أحمد فقال الصاحب لندمائه أظنه يؤول أمره إلى أن يكتب الجبار ومر خبره مع الشاب البغدادي الدال على حلمه وكرم أخلاقه وفي خبر الشراب المسموم المتقدم وغيره ما يدل على مكارم أخلاقه وحسن تهذيبه وحلمه وسعة صدره وقد روي عنه أنه كان يلبس القباء تخففا بالوزارة وانتسابا معها إلى الجندية فكان القباء كان من لباس الجند لا من لباس الوزراء فكان يلبس القباء تواضعا وعدم مبالاة بالوزارة وينتسب إلى الجندية التي هي دون الوزارة وحمل ذلك بعضهم على أن هذا نوع من الذهاب بالنفس ظاهره الدماثة وباطنه الزهو وهذا سوء ظن بالناس لا يستند إلى برهان وإن صح ما حكاه عنه أبو حيان التوحيدي في هذا الباب كان أدنى إلى الرقاعة لكن أبا حيان متهم في حقه غير مقبول القول فيه فقد حكى أبو حيان عنه أنه كان يقول أنا واحد هذا العالم وأنت بما تسمع عالم ويقول كان أبو الفضل ابن العميد سيدا ولكن لم يشق غبارنا ولا أدرك شوارنا ولا فسح عذارنا ولا عرف غرارنا لا في علم الدين ولا فيما يرجع إلى نفع المسلمين فاما ابنه فقد عرفتم قدره في هذا وفي غيره طياش قلاش ليس عنده إلا قاش وقماش مثل ابن عياش والهروي الحواش، وولدت والشعري في طالعي ولولا دقيقة لأدركت النبوة وقد أدركت النبوة إذ قمت بالذب عنها والنصرة لها فمن ذا يجارينا أو يبارينا ويغارينا ويسارينا ويشارينا انتهى وليس لنا إلى تصديق أبي حيان في هذا سبيل وربما ينسب اليه انه يتيه على من يتغزل به كقوله:
وشادن جماله تقصر عنه صفتي أهوى لتقبيل يدي فقلت لا بل شفتي ولكن هذا ظلم له فقد جرت عادة الكبراء ان يتغزلوا بمثل ذلك.
وقال أبو حيان التوحيدي ناظر الصاحب بالري رأس الجالوت اليهودي في اعجاز القرآن فراجعه اليهودي فيه طويلا وماتنه قليلا وتنكد عليه حتى احتد وكاد ينقد فلما علم أنه قد سجر تنوره واسعط انفه احتال عليه فقال أيها الصاحب كيف يكون القرآن عندي آية من جهة نظمه وتأليفه فإن كان النظم والتأليف بديعين وكان البلغاء فيما تدعي عنه عاجزين فان رسائلك وكلامك وما تؤلفه وتباده به نظما ونثرا هو فوق ذلك أو مثله أو قريب منه فلما سمع هذا فتر وخمد وقال ولا هكذا يا شيخ كلامنا حسن وبليغ وقد اخذ من الجزالة حظا وافرا ولكن القرآن له المزية التي لا تجهل وأين ما خلقه الله على أتم حسن وبهاء مما يخلقه العبد بطلب وتكلف، هذا كله يقوله وقد خبا حميه مع اعجاب شديد قد شاع في اعطافه وفرح غالب قد دب في أسارير وجهه انتهى وحال أبي حيان في هذا كحاله في غيره.
الكتب التي ألفت باسمه صنفت باسمه كتب عديدة لأعاظم العلماء من الفريقين.
منها كتاب الصاحبي لشيخه أبي الحسن أحمد بن فارس الرازي اللغوي قال في أوله هذا الكتاب الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب وكلامها وانما عنونته بهذا الاسم لأنني ألفته وأودعته خزانة الصاحب الجليل كافي الكفاة عمر الله عراص العلم والأدب والخير والعدل بطول عمره تجملا بذلك وتحسنا إذ كان ما يقبله كافي الكفاة من علم وأدب مرضيا مقبولا وما يرد له أو ينفيه منفيا مرذولا ولأن أحسن ما في كتابنا هذا مأخوذ عنه ومفاد منه.
ومنها كتاب تهذيب التاريخ للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني قال في خطبته: هذا كتاب قصدت به غرضي دين ودنيا إلى أن قال:
واما غرض الدنيا فان أقيم بفناء الصاحب الجليل أدام الله بهاء العلم بدوام أيامه من يخلفني في تجديد ذكري بحضرته وتكرير اسمي في مجلسه ومن ينوب عني في مزاحمة خدمته على الاعتراف بحق نعمته وعلمت أني لا استخلف من هو أمس به رحما وأقرب منه نسبا وارفع عنده موضعا وألطف منه موقعا وأخص به مدخلا ومخرجا وأشرف بحضرته مقاما وموقفا من العلم الذي يزكو عنده غراسا فيضعف ريعا ويحلو طعما ويطيب عرفا ويحسن اسما فاخترت لذلك هذا الكتاب ثقة بوجاهته وعلما بقرب منزلته وكيف لا يكون عنده وجيها مكينا مقبولا قرينا وانما هو نتاج تهذيبه وثمرة تقويمه وجناء تمثيله وريع تحريكه فلو لا عنايته لما صدقت النية ولولا ارشاده لما نفذت الفطنة ولولا معونته لما استجمعت الآلة وما يبعد به عن إيثار العلوم وتعظيمها وعن تقديمها وتقريبها وهو الذي نصبه الله لها مثالا واقامه عليها منارا وجعله لها سندا ولاحيائها سببا.
ومنها تاريخ قم للفاضل الحسن بن محمد القمي وذكر في أوله من فضائله ومناقبه وعلمه وتقواه وورعه وسداده وكرمه وإحسانه وتعظيمه للسادة العلوية و إكرامه لهم وسد خلتهم ولم شعثهم شطرا وافيا.
ومنها عيون أخبار الرضا ع للصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي قال في أوله وقع إلي قصيدتان من قصائد الصاحب الجليل كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد في اهداء السلام إلى الرضا ع فصنفت هذا الكتاب لخزانته المعمورة ببقائه إلى آخر ما مر في الكلام على تشيعه.
ومنها كتاب للحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق مذكور في الرجال.