أقول: يظهر من رواية العيون عن مولانا الرضا صلوات الله عليه وغيره أنه إذا حكم الله تعالى بحرمة شئ أو حليته أو فرضه، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليحرم ما أحل الله ولا ليحلل ما حرم الله عز وجل ولا ليغير فرائض الله تعالى، كان متبعا مؤديا وذلك قول الله تعالى: * (إن أتبع إلا ما يوحى) *، وفي غير تلك الموارد يوحي إليه أن يحكم هو (صلى الله عليه وآله) بحرمة شئ آخر، مثل ما حكم الله بحرمة الخمر بعينه، وحرم رسول الله بوحي الله إليه كل مسكر، وفرض الله عشر ركعات، وفرض النبي (صلى الله عليه وآله) سبع ركعات وأضافها إلى العشر فصارت سبع عشرة ركعة وهكذا.
وهكذا الأئمة المعصومون يكونون بالنسبة إلى الرسول كما يكون الرسول بالنسبة إلى الله تعالى، لا يرخصون فيما حرم رسول الله ولا فيما فرضه، بل في غير الموارد الإلزامية من الله والرسول لهم الأمر والنهي في الموسعات لا في المضيقات التي صدر التضييق والإلزام من الله أو من الرسول، فراجع البحار (1).
ولا ينافي قوله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وقوله: * (تبيانا لكل شئ) * ما ورد في إثبات التفويض لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه من أنحاء البيان الآيات التي وردت في إيجاب إطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) مثل قوله تعالى: * (ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا) *.
كما لا ينافي قوله (صلى الله عليه وآله): ما من شئ يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، وما من شئ يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه، مع ما ورد في إثبات التفويض لأئمة الهدى (عليهم السلام). لأنه من أنحاء البيان إيجابه تعالى إطاعة أولي الأمر في قوله:
* (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) *، وقد نصب (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) علما لخلقه، وأمر بطاعته، وجعله الله بمنزلة نفس رسول الله في آية المباهلة، ولا يثبت البيان من الرسول لكل واحد واحد من المخاطبين بل يكفي البيان لبعضهم وإرجاع سائر الناس إليه كما أرجع في يوم الغدير.