توضيح: هذه الرواية من المشهورات بين الخاصة والعامة، وفيها ذم عظيم للفقر ويعارضها الأخبار السالفة: وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): الفقر فخري وبه أفتخر.
وقوله (صلى الله عليه وآله): اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين.
ويؤيد هذه الرواية ما رواه العامة عنه (صلى الله عليه وآله): الفقر سواد الوجه في الدارين. ويمكن الجمع بينها بأن يقال: الفقر على أربعة أوجه:
1 - وجود الحاجة الضرورية، وذلك عام للإنسان في دار الدنيا، بل عام للموجودات كلها، قال الله تعالى: * (أنتم الفقراء إلى الله) *.
2 - عدم المقتنيات، وهو المذكور في قوله تعالى: * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) *.
3 - فقر النفس وهو الشره المعني بقوله (عليه السلام): كاد الفقر أن يكون كفرا.
4 - الفقر إلى الله تعالى المشار إليه بقوله: اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك.
وأصل الفقر المكسور الفقار. ومنهم من حمل سواد الوجه على المدح، أي أنه كالخال الذي على وجه المحبوب فإنه يزينه ولا يشينه. وقيل غير ذلك (1).
أقول: قال في المجمع: وفي الخبر أنه (صلى الله عليه وآله) تعوذ من الفقر وأنه قال: الفقر فخري وبه أفتخر على سائر الأنبياء، وقد جمع بين القولين بأن الفقر الذي تعوذ منه الفقر إلى الناس، والذي دون الكفاف، والذي افتخر به هو الفقر إلى الله تعالى. وإنما كان هذا فخر له على سائر الأنبياء مع مشاركتهم له فيه، لأن توحيده واتصاله بالحضرة الإلهية وانقطاعه إليه كان في الدرجة التي لم يكن لأحد مثلها في العلو، ففقره إليه كان أتم وأكمل من فقر سائر الأنبياء. إنتهى.
تحقيق في الفقر والغنى ومقتضى الجمع بين الأخبار أن كلا منهما نعمة من نعم الله تعالى يعطي كلا منهما من شاء من عباده بحسب ما يعلم من مصالحه الكاملة، وعلى العبد أن يصبر على الفقر بل يشكره، ويشكر الغناء إن أعطاه ويعمل