في ذلك نظرا إلى قدرة الله تعالى.... وقد يستند في ذلك بظاهر قوله تعالى: * (كل في فلك يسبحون) * فإن الواو والنون لا يستعملان حقيقة لغير العقلاء.
وقد أطبق الطبيعيون على أن الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها وقد أطبق الطبيعيون على أن الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها وخالقها - إلى أن قال:
وذهب جم غفير منهم إلى أنه لا ميت في شئ من الكواكب أيضا، حتى أثبتوا لكل واحد منها نفسا على حدة تحركه حركة مستديرة على نفسه، وابن سينا في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه، وحكم به في النمط الخامس من الإشارات.
ولو قال به قائل لم يكن مجازفا، وكلام ابن سينا وأمثاله، وإن لم يكن حجة يركن إليه الديانيون في أمثال هذه المطالب، إلا أنه يصلح للتأييد، ولم يرد في الشريعة المطهرة ما ينافي هذا القول، ولا قام دليل عقلي على بطلانه.
وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة فأي مانع من أن يكون لتلك الأجرام الشريفة أيضا ذلك؟ وقد ذهب جماعة إلى أن لجميع الأشياء نفوسا مجردة ونطقا، وجعلوا قوله تعالى: * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) * محمولا على ظاهره.
وليس غرضنا من هذا الكلام ترجيح القول بحياة الأفلاك، بل كسر سورة استبعاد المصرين على إنكاره ورده. إنتهى (1).
والمجلسي زيف هذا الكلام وقال: ولم أر أحدا من المتكلمين من فرق المسلمين قال بذلك، إلا بعض المتأخرين الذين يقلدون الفلاسفة في عقائدهم، ويوافقون المسلمين فيما لا يضر بمقاصدهم (2).
قال السيد المرتضى في الغرر والدرر: قد دلت الدلالة الصحيحة الواضحة على أن الفلك وما فيه من شمس وقمر ونجوم غير متحرك لنفسه ولا طبعه على ما يهدي به القوم، وإن الله تعالى هو المحرك له والمتصرف باختياره فيه.
وقال في موضع آخر: لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك