من المؤمنين أيضا، وإن لم يروا النور ظاهرا، وتفرس أمثال هذه الأمور قد يحصل لكثير من الناس بمجرد رؤية سيماهم، بل لبعض الحيوانات أيضا، كما أن الشاة إذا رأت الذئب تستنبط من سيماه العداوة، وإن لم تره أبدا، ومثل ذلك كثير.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): حتى أن أحدكم يحتمل وجهين: الأول: أن الله تعالى إنما جعل موضع القبلة المكان الخاص من الجبهة. والثاني: أن المؤمن يختار هذا الموضع لكونه موضع النور واقعا، وإن لم ير النور ولم يعرفه. ويدل على أن موضع التقبيل في الجبهة. ما رواه الكافي مسندا عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله).
تبيان: قوله: " أو من أريد به رسول الله " من الأئمة إجماعا وغيرهم من السادات والعلماء على الخلاف، وإن لم أر في كلام أصحابنا تصريحا بالحرمة.
قال بعض المحققين: لعل المراد بمن أريد به رسول الله، الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كما يستفاد من الحديث الآتي، ويحتمل شمول الحكم للعلماء بالله وبأمر الله العاملين بعلمهم والهادين للناس ممن وافق قوله فعله، وهؤلاء ورثة الأنبياء فلا يبعد دخولهم فيمن يراد بهم رسول الله.
قال الشهيد في قواعده: يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به العادة وإن لم يكن منقولا عن السلف، لدلالة العمومات عليه. قال تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) * وقال: * (ومن يعظم حرمات الله) *. ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا.
فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه، وربما وجب إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن. وقد صح أن النبي (صلى الله عليه وآله) قام إلى فاطمة (عليها السلام) وإلى جعفر الطيار لما قدم من الحبشة، وقال للأنصار: قوموا إلى سيدكم.
ونقل أنه قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه.
فإن قلت: قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار، ونقل أنه (صلى الله عليه وآله) كان يكره أن يقام له، فكان إذا قدم لا يقومون