الجوارح، وأيضا أثره أعظم وأدوم، إذ ربما صار تفكر ساعة سببا للتوبة عن المعاصي ولزوم الطاعة تمام العمر (1).
الكافي: عنه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): التفكر يدعو إلى البر والعمل به (2).
أقول: ينبغي أن يعلم طريق التفكر الممدوح من تمليخا أحد أصحاب الكهف ولا بأس بالإشارة إلى قصتهم.
إعلم أن أصحاب الكهف كما يظهر من العلوي الوارد في قصص الأنبياء كانوا ستة نفر، اتخذهم دقيانوس وزراءه، فأقام ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره، واتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة، فبينا هم ذات يوم في عيد والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيته، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمنيه يقال له تمليخا، فقال في نفسه: لو كان دقيانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم، وما كان يبول، ولا يتغوط، وما كان ينام، وليس هذا من فعل الإله.
قال: وكان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم، وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه قد وقع في قلبي شئ منعني الطعام والشراب والمنام. قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال: أطلت فكري في هذا السماء، فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان؟ ومن زينها بالنجوم؟
ثم أطلت الفكر في الأرض فقلت: من سطحها على صميم الماء الزخار؟ ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شئ؟
وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا من بطن أمي؟ ومن غذاني؟
ومن رباني؟ إن لها صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك، وما هو إلا ملك الملوك، وجبار السماوات.