قال السيد علي خان في أنوار الربيع في صنعة الانسجام: " فمنه قول الفرزدق في مدح علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهي قصيدة مشهورة لا يسقط منها بيت واحد، وأما انسجامها فغاية لا تدرك وعقيلة لا تملك، قد جنبها حواشي الكلام وجاء فيها ببديع الانسجام. ومن رأى سائر شعر الفرزدق ورأي هذه القصيدة، ملك نفسه العجب فإنه لا مناسبة بينها وبين سائر قوله نسبا ومدحا وهجاء، على أنه نظمها بديهة وارتجالا، ولا شك أن الله سبحانه أيده في مقالها وسدده حال ارتجالها، ومع شهرة هذه القصيدة فقد آثرنا إيرادها هنا تبركا بها وبممدوحها (عليه السلام) لئلا يخلو هذا الكتاب منها ".
ثم ذكرها برواية الشيخ الأجل أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني وساق السند إلى ابن عائشة عبيد الله بن محمد قال: حدثني أبي وغيره، قال: حج هشام بن عبد الملك في زمن عبد الملك أو الوليد، فطاف بالبيت فجهد إلى الحجر ليستلمه فلم يقدر عليه، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه أهل الشام إذ أقبل علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) وعليه أزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم أريجا، فطاف بالبيت فكلما بلغ إلى الحجر تنحى له الناس حتى يستلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضرا فقال:
لكني أعرفه، قال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم...
أقول: الفرزدق: هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي، كان أبوه من سراة قومه. روي عن معاوية بن عبد الكريم، عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجليه قيد، قلت: ما هذا يا أبا فراس؟ قال: حلفت أن لا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن. توفي سنة 110.
قال السيد علي خان: كان أبوه من أجلة قومه وسراتهم سيد بادية تميم، وله مناقب مشهورة ومحامد مأثورة، فمن ذلك أنه أصاب أهل الكوفة مجاعة، فخرج