قال النيشابوري بعد كلام له في فصاحة القرآن: ثم إنه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة يقتضي نقصان الفصاحة، ومع ذلك فإنه قد بلغ في الفصاحة النهاية، فدل ذلك على كونه معجزا.
منها: أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات كبعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب، وليس في القرآن من هذه الأشياء مقدار كثير.
ومنها: أنه تعالى راعى طريق الصدق وتبرأ عن الكذب وقد قيل: إن أحسن الشعر أكذبه، ولهذا فإن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما وتركا سلوك سبيل الكذب والتخييل أرك شعرهما.
ومنها: أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في بيت أو بيتين من قصيدة، والقرآن كله فصيح بكل جزء منه.
ومنها: أن الشاعر الفصيح إذا كرر كلامه لم يكن الثاني في الفصاحة بمنزلة الأول، وكل مكرر في القرآن فهو في نهاية الفصاحة وغاية الملاحة:
أعد ذكر نعمان لنا أن ذكره * هو المسك ما كررته يتضوع ومنها: أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم المنكرات والحث على مكارم الأخلاق والزهد في الدنيا والاقبال على الآخرة، ولا يخفى ضيق عطن البلاغة في هذه المواد.
ومنها: أنهم قالوا: إن شعر امرئ القيس يحسن في وصف النساء وصفة الخيل، وشعر النابغة عند الحرب، وشعر الأعشى عند الطرب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء، والقرآن جاء فصيحا في كل فن من فنون الكلام (1).
فصاحة سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها تظهر من خطبتها الشريفة الغراء التي تحير من العجب منها والإعجاب بها أحلام الفصحاء والبلغاء، وأوردها أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر في كتاب بلاغات النساء، وذكر أن مشايخ