وكشف حجابه بعد السنين المتطاولة والأحوال المجرمة، والأدوار المكررة من كرامات الإمام موسى (عليه السلام) ومعجزاته. ولتصح نسبة العصمة إليه، وتصدق على آبائه وأبنائه البررة الكرام. وتزول الشبهة التي عرفت من ظاهر هذا الكلام.
وتقريره أن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى، وقلوبهم مملوة، وخاطرهم متعلقة بالملأ الأعلى، وهم أبدا في المراقبة كما قال (صلى الله عليه وآله): " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
فهم أبدا متوجهون إليه ومقبلون بكلهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب، والتفرغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدوه ذنبا، واعتقدوه خطيئة، واستغفروا منه.
ألا ترى أن بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد وأكل وشرب ونكح وهو يعلم أنه بمرأى من سيده ومسمع، لكان ملوما عند الناس ومقصرا فيما يجب عليه من خدمة سيده ومالكه؟ فما ظنك بسيد السادات وملك الأملاك؟ وإلى هذا أشار (عليه السلام):
" إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله بالنهار سبعين مرة " ولفظة السبعين إنما هي لعدد الاستغفار لا إلى الرين (الغين ظ)، وقوله: " حسنات الأبرار سيئات المقربين ".
ويزيده إيضاحا من لفظه ليكون أبلغ من التأويل ويظهر من قوله (عليه السلام):
" أعقمتني معصية، والعقيم الذي لا يولد له، والذي يولد من السفاح لا يكون ولدا " فقد بان بهذا أنه كان يعد اشتغاله في وقت ما بما هو ضرورة للأبدان معصية ويستغفر الله منها. وعلى هذا فقس البواقي وكل ما يرد عليك من أمثالها، وهذا معنى شريف يكشف بمدلوله حجاب الشبه، ويهدي به الله من حسر على بصره وبصيرته رين العمى والعمة.
وليت السيد كان حيا لأهدي هذه العقيلة إليه، وأجلو عرائسها عليه. فما أظن أن هذا المعنى اتضح من لفظ الدعاء لغيري، ولا أن أحدا سار في إيضاح مشكله وفتح مقفله مثل سيري، وقد ينتج الخاطر العقيم فيأتي بالعجائب، وقديما ما قيل: