وفي الأغاني بسنده عن أحمد بن حرب كان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد وان الله خلق جوهرين متضادين لا من شئ ثم بنى العالم منهما وان العالم حديث العين والصنعة لا محدث له الا الله وكان يزعم أن الله سيرد كل شئ إلى الجوهرين المتضادين قبل ان تفنى الأعيان جميعا وكان يذهب إلى أن المعارف واقعة بقدر الفكر والاستدلال والبحث طباعا وكان يقول بالوعيد وبتحريم المكاسب كذا ويتشيع بمذهب الزيدية البترية المبتدعة لا ينتقص أحدا ولا يرى مع ذلك الخروج على السلطان وكان مجبرا قال الصولي فحدثني يموت بن المزرع حدثني الجاحظ قال أبو العتاهية لثمامة ابن أشرس بين يدي المأمون أسألك عن مسالة فقال له المأمون عليك بشعرك فقال إن رأى أمير المؤمنين ان يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي فقال له أجبه إذا سالك فقال انا أقول كلما فعله العباد من خير وشر فهو من الله وأنت تأبى ذلك فمن حرك يدي هذه وجعل أبو العتاهية يحركها فقال ثمامة حركها من أمه زانية فقال شتمني والله يا أمير المؤمنين فقال ثمامة ناقض الماص بظر أمه والله يا أمير المؤمنين فضحك المأمون وقال ألم أقل لك ان تشتغل بشعرك وتدع ما ليس من عملك قال ثمامة فلقيني بعد ذلك فقال لي يا أبا معن ما أغناك الجواب عن السفه فقلت ان من أتم الكلام ما قطع الحجة وعاقب على الإساءة وشفى من الغيظ وانتصر من الجاهل. وبسنده عن العباس بن رستم: كان أبو العتاهية مذبذبا في مذهبه يعتقد شيئا فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده إياه واخذ غيره انتهى وهذا يمكن ان يكون مدحا بأنه إذا ظهر له الحق اخذ به ولم يتعصب. وفي الأغاني: حدثني أبو شعيب صاحب أبي داود قلت لأبي العتاهية القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق قال سألتني عن الله أم عن غير الله قلت من غير الله فامسك وأعدت عليه فأجابني هذا الجواب حتى فعل ذلك مرارا فقلت ما لك لا تجيبني قال قد أجبتك ولكنك حمار انتهى وأراد بجوابه هذا ان القرآن كلام الله فهو قديم بقدم الله فلو كان القرآن مخلوقا لكان الله مخلوقا. قال وحدث خليل بن أسد النوشجاني قال أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال: زعم الناس اني زنديق والله ما ديني الا التوحيد فقلنا فقل شيئا نتحدث به عنك فقال:
ألا إننا كلنا يائد * وأي بني آدم خالد وبدؤهم كان من ربهم * وكل إلى ربهم عائد فيا عجبا كيف يعصى الاله * أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شئ له شاهد * يدل على أنه واحد وفي تاريخ بغداد بسنده قال الرشيد لأبي العتاهية الناس يزعمون انك زنديق فقال يا سيدي كيف أكون زنديقا وانا القائل:
أيا عجبي كيف يعصى * الإله أم كيف يجحده جاحد ولله في كل تحريكة * وفي كل تسكينة شاهد وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد أحواله في الأغاني كان في أول امره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار بالكوفة ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم. وبسنده عن أبي الشمقمق انه رأى أبا العتاهية يحمل زاملة المخنثين فقلت له أمثلك يضع نفسه هذا الموضع مع سنك وشعرك وقدرك فقال أريد ان أتعلم كيادهم وأتحفظ كلامهم انتهى ثم روى بسنده عن خيار الكاتب: كان أبو العتاهية وإبراهيم الموصلي من أهل المذار جميعا وكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر فقدما إلى بغداد ثم افترقا فنزل إبراهيم الموصلي بغداد ونزل أبو العتاهية الحيرة وذكر عن الرياشي مثله وان أبا العتاهية نقله إلى الكوفة. وبسنده عن الخليل بن أسد: كان أبو العتاهية يأتينا فيستأذن ويقول أبو إسحاق الخزاف وكان أبوه حجاما ولذلك يقول أبو العتاهية:
ألا انما التقوى هو العز والكرم * وحبك للدنيا هو الفقر والعدم وليس على عبد تقي نقيصة * إذا صحح التقوى وان حاك أو حجم ثم روى أبو الفرج انه كان لأبي العتاهية عبيد من السودان ولأخيه زيد عبيد منهم يعملون الخزف في أتون لهم ويدفعونه إلى أجير لهم اسمه أبو عباد اليزيدي بالكوفة فيبيعه لهم وقيل بل كان يفعل ذلك اخوه لا هو وسئل عن ذلك فقال انا جرار القوافي وأخي جرار التجارة وقال عبد الحميد بن سريع انا رأيت أبا العتاهية وهو جرار يأتيه الاحداث والمتأدبون فينشدهم أشعاره فيكتبونها على ما تكسر من الخزف انتهى ومر قول الخطيب انه كان يقول الشعر في الغزل والمديح والهجاء قديما ثم تنسك وعدل عن ذلك إلى الشعر في الزهد والوعظ. وروي في الأغاني انه تنسك ولبس الصوف وانه لما فعل ذلك امره الرشيد ان يقول شعرا في الغزل فامتنع فضربه ستين عصا وحلف ان لا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا في الغزل فحلف أبو العتاهية بعتق كل مملوك له وطلاق امرأته ان تكلم سنة الا بالقرآن أو الذكر فكان الرشيد تحزن مما فعله فامر ان يحبس في داره ويوسع عليه فمكث هكذا سنة فقال الرشيد لمسروق الخادم كم ضربنا أبا العتاهية قال ستين فامر له بستين ألف درهم وخلع عليه وأطلقه. وقال محمد بن أبي العتاهية: كان أبي لا يفارق الرشيد في سفر ولا حضر الا في الحج وكان يجري عليه في كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والمعاون فلما قدم الرشيد الرقة لبس أبي الصوف وتزهد وترك حضور المنادمة والقول في الغزل فامر الرشيد بحبسه فحبس فكتب اليه من وقته:
انا اليوم لي والحمد لله أشهر * يروح علي الهم منكم ويبكر تذكر امين الله حقي وحرمتي * وما كنت توليني لذلك يذكر ليالي تدني منك بالقرب مجلسي * ووجهك من ماء البشاشة يقطر فمن لي بالعين التي كنت مرة * إلي بها في سالف الدهر تنظر قال قلما قرأ الرشيد الأبيات قال قولوا له لا باس عليك فكتب اليه:
أرقت وطار عن عيني النعاس * ونام السامرون ولم يواسوا امين الله أمنك خير امن * عليك من التقى فيه لباس تساس من السماء بكل بر * وأنت به تسوس كما تساس كان الخلق ركب فيه روح * له جسد وأنت عليه رأس امين الله ان الحبس باس * وقد أرسلت ليس عليك باس فامر باطلاقه. وقال محمد بن أبي العتاهية أيضا: ان أباه لبس كساء صوف ودراعة صوف وآلى على نفسه ان لا يقول شعرا في الغزل فامر الرشيد بحبسه والتضييق عليه فقال:
يا ابن عم النبي سمعا وطاعة * قد خلعنا الكساء والدراعه ورجعنا إلى الصناعة لما * كان سخط الامام ترك الصناعة