الأبيات مع أن أبا العتاهية هجاه كما في الأغاني بقوله:
تعالى الله يا سلم بن عمرو * أذل الحرص أعناق الرجال وكان بينهما منافرة والجماز كان ابن أخت سلم واقتص لخاله بالابيات التي أولها: ما أقبح التزهيد من واعظ كما يأتي.
وهذا العتابي كلثوم بن عمرو وهو من لا يجهل مكانه في الشعر يقول إنه أشعر الناس الأولين والآخرين في وقته ففي الأغاني بسنده قال العتابي لمحمد بن النضر أنشدني لشاعر العراق يعني أبا نواس فأنشده وقال ظننتك تقول هذا لأبي العتاهية فقال لو أردت أبا العتاهية لقلت لك أنشدني لأشعر الناس ولم اقتصر على العراق. وبسنده قال العتابي الشاعر: لكم يا أهل العراق شاعر منوه الكنية ما فعل فذكر القوم أبا نواس فانترهم ونفض يده وقال ليس ذلك فقيل لعلك تريد أبا العتاهية قال نعم ذاك أشعر الأولين والآخرين في وقته. وفي الأغاني بسنده عن مصعب بن عبد الله: أبو العتاهية أشعر الناس بقوله:
تعلقت بآمال * طوال اي آمال وأقبلت على الدنيا * ملحا اي اقبال أيا هذا تجهز * لفراق الأهل والمال فلا بد من الموت * على حال من الحال قال مصعب: هذا كلام سهل لا حشو فيه ولا نقصان يعرفه العاقل ويقر به الجاهل. وعن عبد الله بن عبد العزيز العمري أشعر الناس أبو العتاهية حيث يقول:
ما ضر من جعل التراب مهاده * ان لا ينام على الحرير إذا قنع صدق والله وأحسن.
ومدح أبو العتاهية عمرو بن العلاء مولى عمرو بن حريث صاحب المهدي وكان ممدحا فامر له بسبعين ألف درهم فقال بعض الشعراء كيف فعل هذا بهذا الكوفي واي شئ مقدار شعره فبلغه فأحضره فقال إن الواحد منكم ليدور على المعنى فلا يصيبه ويتعاطاه فلا يحسنه وهذا كان المعاني تجمع له مدحني فقصر التشبيب وقال:
اني امنت من الزمان وريبه * لما علقت من الأمير حبالا لو يستطيع الناس من اجلاله * لحذوا له حر الوجوه نعالا ان المطايا تشتكيك لأنها * قطعت إليك سباسبا ورمالا فإذا وردن بنا وردن مخفة * وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا وعن المعلى بن عثمان قيل لأبي العتاهية كيف تقول الشعر قال ما أردته قط الا مثل لي فأقول ما أريد واترك ما لا أريد.
وعن روح بن الفرج الحرمازي سمعت أبا العتاهية يقول: لو شئت ان اجعل كلامي كله شعرا لفعلت.
وقال محمد بن أبي العتاهية سئل أبي هل تعرف العروض قال انا أكبر من العروض وله أوزان لا تدخل في العروض.
وقيل لأبي العتاهية: أما يصعب عليك شئ من الألفاظ فتحتاج فيه إلى استعمال الغريب كما يحتاج اليه سائر من يقول الشعر قال لا فقال: اني لأحسب ذلك من ركوبك القوافي السهلة قال: فاعرض علي ما شئت من القوافي الصعبة فقال قل على مثل البلاع فقال من ساعته:
اي عيش يكون أبلغ من * عيش كفاف قوت بقدر البلاع صاحب البغي ليس يسلم منه * وعلى نفسه بغى كل باغي رب ذي نعمة تعرض منها * حائل بينه وبين المساع أبلغ الدهر في مواعظه بل * زاد فيهن لي على الابلاع غبنتني الأيام عقلي ومالي * وشبابي وصحتي وفراغي واجتمعت الشعراء على باب الرشيد فاذن لهم فدخلوا وأنشدوا فأنشد أبو العتاهية:
يا من تبغي زمنا صالحا * صلاح هارون صلاح الزمن كل لسان هو في ملكه * بالشكر في احسانه مرتهن فادهش له الرشيد وقال له أحسنت والله وما خرج في ذلك اليوم أحد من الشعراء بصلة غيره.
وأجرى الرشيد الخيل فجاء فرس يقال له المشمر سابقا وكان الرشيد معجبا به فامر ان يقولوا فيه فبدرهم أبو العتاهية فقال:
جاء المشمر والافراس يقدمها * هونا على رسلة منا وما انبهرا وخلف الريح حسرى وهي جاهدة * ومر يختطف الابصار والنظرا فأجزل صلته وما جسر أحد بعد أبي العتاهية ان يقول فيه شيئا.
المقايسة بينه وبين أبي نواس في الأغاني قال الحرمازي: شهدت أبا العتاهية وأبا نواس في مجلس وكان أبو العتاهية اسرع الرجلين جوابا عند البديهة وأبو نواس أسرعهما في قول الشعر فإذا تعاطيا جميعا الشرعة فضله أبو العتاهية وإذا تمهلا فضله أبو نواس.
مذهبه كان يتشيع بمذهب الزيدية ولعله اخذ التشيع من الكوفة التي كان أهلها شيعة الا ما ندر ولكنه مع تشيعه كان يقول بالجبر كما ستعرف وقد مر في ترجمة أبي سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل النوبختي ان له كتابا في الصفات للرد على أبي العتاهية في التوحيد في شعره ولعل المراد الرد عليه في قوله بالجبر وفي اثبات صفات له تعالى زائدة على الذات قديمة كما يقوله الأشاعرة ويتفرع عليه قدم القرآن كما يأتي الإشارة اليه. وفي الأغاني: كان قوم من أهل عصره ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة ممن لا يؤمن بالبعث ويحتجون بان شعره انما هو في ذكر الموت والفناء دون ذكر النشور والمعاد انتهى وهذه الحجة واهية جدا فالواعظ بالشعر أو النثر يخوف الناس بالموت ليزهدهم في الدنيا ولا يخوفهم بالبعث.
ويظهر من الأغاني ان منصور بن عمار استاء من أبي العتاهية لان منصورا تكلم كلاما فقال أبو العتاهية انه سرقه من رجل كوفي فنسبه منصور إلى الزندقة واحتج بهذه الحجة الواهية. وروي في الأغاني ان جارة له رأته ليلة يقنت في صلاته فروت عنه انه يكلم القمر واتصل الخبر بحمدويه صاحب الزنادقة فترقبه فرآه يصلي ثم رآه يقنت فانصرف خاسئا. وهكذا يكون نصيب العالم من الجهال يصلي ويقنت في صلاته ويناجي ربه فتراه امرأة سخيفة العقل لم تر من يقنت قبل هذا مقابل القمر رافعا يديه فتظن انه يكلم القمر ويعبد الكواكب ولولا ان حمدويه عرف ان هذا قنوت لالتصقت به الزندقة بشهادة هذه المرأة الجاهلة.