خبره مع الحلاج وينبغي قبل ذكر خبره معه ان نذكر من هو الحلاج وكيف كانت حاله لان معرفة حقيقة خبره معه يتوقف على ذلك: الحلاج اسمه الحسين بن منصور بن محمي قال الخطيب كنيته أبو المغيث وقيل أبو عبد الله وانما سمي الحلاج قال ولده لأنه تكلم على اسرار الناس فسمي حلاج الاسرار وقيل لأنه دخل واسطا فتقدم إلى حلاج وبعثه في شغل فقال الحلاج انا مشغول بصنعتي فقال اذهب أنت في شغلي حتى أعينك في شغلك فلما رجع وجد قطنه كله محلوجا وقيل لان أباه كان حلاجا فنسب اليه. وكان جده مجوسيا من أهل بيضاء فارس. نشا الحسين بواسط وقيل بتستر ثم روى عن ولده أحمد بن الحسين انه ولد بالبيضاء ونشا بتستر وتلمذ لسهل بن عبد الله التستري سنتين وسافر من تستر إلى البصرة وعمره 18 سنة ثم صعد إلى بغداد ثم خرج إلى مكة وجاور سنة ورجع إلى بغداد مع جماعة من الفقراء الصوفية ورجع إلى تستر واقام نحو سنة ووقع له عند الناس قبول عظيم ثم خرج وغاب خمس سنين حتى بلغ خراسان وما وراء النهر ودخل سجستان وكرمان ثم رجع إلى فارس فاخذ يتكلم على الناس ويتخذ المجلس وصنف لهم تصانيف ثم صعد من فارس إلى الأهواز وتكلم على الناس وقبله الخاص والعام ثم خرج إلى البصرة واقام مدة يسيرة وخرج ثانيا إلى مكة وخرج معه خلق كثير ثم عاد إلى البصرة فأقام شهرا وجاء إلى الأهواز واخذ زوجته وولده وجماعة من كبار الأهواز إلى بغداد فأقام بها سنة ثم قصد الهند ثم خراسان ثانيا ودخل ما وراء النهر وتركستان والى ماصين وكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث ومن بلاد ماصين وتركستان بالمقيت ومن خراسان بالمميز ومن فارس بأبي عبد الله الزاهد ومن خوزستان بالشيخ حلاج الاسرار وببغداد قوم يسمونه المصطلم وبالبصرة قوم يسمونه المحير ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه فحج ثالثا وجاور سنتين ثم رجع وتغير عما كان عليه واقتنى العقبار ببغداد وبني دارا ووقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية فقال قوم انه ساحر وقوم انه مجنون وقوم له الكرامات وقال الخطيب أيضا: قدم بغداد فخالط الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد وغيره والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى ان يكون منهم وقالوا انه مشعبذ زنديق وقبله بعضهم حتى قال محمد بن حفيف انه عالم رباني وكان للحلاج حسن عبارة وحلاوة منطق وشعر على طريقة التصوف. ثم حكى بعد ذلك ان بعضهم رآه على بعض جبال أصفهان وعليه مرقعة وبيده ركوة وعكاز ثم طلبه بعد سنة ببغداد فقيل له هو بالجبانة فسال عنه فقيل هو بالخان فرآه وعليه صوف ابيض وانه جلس بمكة أول مرة في صحن المسجد سنة لا يبرح من موضعه الا للطهارة أو الطواف لا يبالي بالشمس ولا بالمطر وكان يحمل اليه كل عشية كوز ماء وقرص فيعض اربع عضات من جوانب القرص ويشرب من الماء شربتين قبل الطعام وبعده ثم يضع باقي القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده ذكر عمن رآه جالسا على صخرة من أبي قبيس في الشمس والعرق يسيل منه فقال من رآه لصاحبه ان عشت ترى ما يلقى هذا لان الله يبتليه ببلاء لا تطيقه قد بجمعة يتصبر مع الله ثم حكى عمن رافقه إلى الهند فسأله عن سبب مجيئه فقال جئت لأتعلم السحر. وحكى ابن النديم في الفهرست عن خط أبي الحسين عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: الحسين بن منصور الحلاج وكان رجلا محتالا مشعبذا يتعاطى مذاهب الصوفية يتحلى ألفاظهم ويدعي كل علم وكان صفرا من ذلك وكان يعرف شيئا من صناعة الكيمياء وكان جاهلا مقداما متهورا جسورا على السلاطين مرتكبا للعظائم يروم اقلاب الدول ويدعي عند أصحابه إلهية ويقول بالحلول ويظهر مذاهب الشيعة للملوك ومذاهب الصوفية للعامة وفي تضاعيف ذلك يدعي ان الإلهية قد حلت فيه وانه هو هو تعالى الله وتقدس عما يقول هؤلاء علوا كبيرا قال وكان ينتقل في البلدان ولما قبض عليه سلم إلى أبي الحسن علي بن عيسى الوزير فناظره فوجده صفرا من القرآن وعلومه ومن الفقه والحديث والشعر وعلوم العرب فقال له تعلمك لطهورك وفروضك أجدى عليك من رسائل لا تدري أنت ما تقول فيها كم تكتب ويلك إلى الناس ينزل ذو النور الشعشعاني الذي يلمع بعد شعشعته ما أحوجك إلى أدب وامر به فصلب في الجانب الشرقي بحضرة مجلس الشرطة وفي الجانب الغربي ثم حمل إلى دار السلطان فحبس فجعل يتقرب بالسنة إليهم فظنوا أن ما يقول حق. وروى عنه انه في أول امره كان يدعو إلى الرضا من آل محمد فسعي به وأخذ بالجبل فضرب بالسوط. ثم ذكر عن خط أبي الحسن بن سنان ان ظهور امر الحلاج كان سنة 299 وكان السبب في اخذه ان صاحب البريد بالسوس رأى في بعض الأزقة امرأة وهي تقول: ان تركتموني وإلا تكلمت فقبض عليها وسألها فجحدت فتهددها فقالت قد نزل في جانب داري رجل يعرف بالحلاج وله قوم يصيرون اليه في كل ليلة ويوم خفيا ويتكلمون بكلام منكر فامر بكبس الموضع فاخذوا رجلا ابيض الرأس واللحية فقالوا: أنت الحلاج؟ فقال: ما انا هو ولا اعرفه فعرفه رجل من أهل السوس بعلامة في رأسه وهي ضربة، ودخل السوس في ذلك الوقت غلام للحلاج يعرف بالدباس كان قد حبسه السلطان ثم خلاه على أن يطلب الحلاج وبذل له مالا فبادر وعرف السلطان الصورة فحمل إلى بغداد والذي عمد لقتله وقام في ذلك حامد بن العباس وزير المقتدر وقد كاد السلطان أن يطلقه لأنه نمس عليه وعلى من في داره بالدعاء والعوذ والرقى وكان يأكل اليسير ويصلي الكثير ويصوم الدهر فاستغواهم وحامد يقرره وقد رمى ببعض الامر فقال: انا أباهلكم فقال حامد الآن صح انك تدعي ما قرفت به فقتل وأحرق. وفي تاريخ الفخري: أصله مجوسي من أهل فارس ونشا بواسط وقيل بتستر وخالط الصوفية وتتلمذ لسهل التستري ثم قدم بغداد ولقي أبا القاسم الجنيدي وكان الحلاج مخلطا يلبس الصوف والمسوح تارة والثياب المصبغة تارة والعمامة الكبيرة والدراعة تارة والقباء وزي الجند تارة وطاف بالبلاد ثم قدم في آخر الامر بغداد وبنى دارا واختلفت آراء الناس واعتقاداتهم فيه وظهر منه تخليط وتنقل من مذهب إلى مذهب واستغوى العامة بمخاريق كان يعتمدها. منها انه كان يحفر في بعض قوارع الطرقات موضعا ويضع فيه زقا فيه ماء ثم يحفر في موضع آخر ويضع فيه طعاما ثم يمر بذلك الموضع ومعه أصحابه فيحتاجون هناك إلى ماء فينبش في الموضع الذي قد حفره بعكاز فيخرج الماء ثم يفعل كذلك في الموضع الآخر عند جوعهم فيخرج الطعام يوهمهم ان ذلك من كرامات الأولياء وكذلك كان يصنع بالفواكه يدخرها ويحفظها ويخرجها في غير وقتها. قال ابن النديم: وحرك يوما يده فانتثر على قوم مسك وحرك مرة أخرى يده فنثر دراهم فقال له بعض من يفهم ممن حضر أرى دراهم معروفة ولكني أومن بك وخلق معي ان أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك فقال وكيف وهذا لم يصنع قال من أحضر ما ليس بحاضر صنع ما ليس بمصنوع ودفع إلى نصر الحاجب فاستغواه وكان في كتبه اني مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود. وروى الخطيب في تاريخ بغداد ان الحلاج أنفذ أحد أصحابه إلى بلد من بلاد الجبل واتفقا على حيلة يعملها
(٣٨٥)