سار جلال الدولة إلى الأنبار واتى الخبر بارسطغان بعود أبي كاليجار إلى فارس فضعف امره وانحدر إلى واسط وعاد جلال الدولة إلى بغداد وارسل البساسيري وجماعة في اثره فاخذ أسيرا وحمل إلى جلال الدولة فقتله. وفي سنة 432 اختلف جلال الدولة البويهي ملك العراق وقرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل لأسباب أوجبت تأثر جلال الدولة منه فأرسل جلال الدولة أبا الحارث أرسلان البساسيري في صفر ليقبض على نائب قرواش بالسندية فسار ومعه جماعة من الأتراك وتبعه جمع من العرب فأوغل الأتراك في الطلب وبلغ الخبر إلى العرب فركبوا وتبعوا الأتراك وجرى بينهم حرب فانهزم الأتراك وعاد المنهزمون فأخبروا البساسيري بكثرة العرب فعاد ولم يصل إلى مقصده. وفي سنة 441 سار جمع من بني عقيل إلى بلد العجم من اعمال العراق وبادوريا فنهبوهما واخذوا من الأموال الكثير وكانا في اقطاع البساسيري فسار من بغداد بعد عوده من فارس إليهم فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل بن المقلد واقتتلوا قتالا شديدا وقتل جماعة من الفريقين.
وفيها في ذي القعدة ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه لأن قرواشا أساء السيرة في أهلها فسار جماعة منهم إلى البساسيري ببغداد وسألوه ان ينفذ معهم عسكرا يسلمون اليه الأنبار فأجابهم إلى ذلك وارسل معهم جيشا فتسلموا الأنبار ولحقهم البساسيري وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم ولم يمكن أحدا من أصحابه ان يأخذ الرطل الخبز بغير ثمنه واقام فيها إلى أن أصلح حالها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد. وفيها في شعبان سار البساسيري من بغداد إلى طريق خراسان وقصد ناحية الدزدار وملكها وغنم ما فيها وكان سعدى بن أبي الشوك قد ملكها وقد عمل لها سورا وحصنها وجعلها معقلا يتحصن فيه ويدخر بها كل ما يغنمه فاخذه البساسيري جميعه وفي سنة 443 فارق الملك الرحيم البويهي كثير من عسكره ومنهم البساسيري وفي سنة 444 سلم الملك الرحيم البصرة إلى البساسيري ومضى إلى الأهواز و في سنة 445 في شوال وصل الخبر إلى بغداد بان جمعا من الأكراد وجمعا من الاعراب قد أفسدوا في البلاد وقطعوا الطريق ونهبوا القرى فسار إليهم البساسيري جريدة وتبعهم إلى البوازيج فأوقع بطوائف كثيرة منهم وقتل فيهم وغنم أموالهم وانهزم بعضهم فعبروا الزاب عند البوازيج فلم يدركهم وأراد العبور إليهم وهم بالجانب الآخر وكان الماء زائدا فلم يتمكن من عبوره فنجوا وفي سنة 446 كانت فتنة الأتراك ببغداد لأنه تخلف لهم على وزير الملك الرحيم مبلغ كثير من رسومهم فطالبوه والحوا عليه فاختفى في دار الخليفة ثم ظهر الخبر انهم على عزم حصر دار الخلافة فانزعج الناس وحضر البساسيري إلى دار الخلافة وتوصل إلى معرفة خبر الوزير فلم يظهروا له على خبر وركب جماعة من الأتراك فنهبوا فيما نهبوا دار أبي الحسن بن عبيد وزير البساسيري. هذا والبساسيري غير راض بفعلهم وهو مقيم بدار الخليفة ثم ظهر الوزير وقام لهم بالباقي من ماله واثمان دوابه وانحدر أصحاب قريش بن بدران فكبسوا حلل كامل بن محمد بن المسيب بالبردان فنهبوها وبها دواب وجمال بخاتي للبساسيري. وفيها في رجب قصد بنو خفاجة الجامعين واعمال نور الدولة دبيس ونهبوا وفتكوا فأرسل نور الدولة إلى البساسيري يستنجده فسار اليه فلما وصل عبر الفرات من ساعته وقاتل خفاجة وأجلاهم عن الجامعين فانهزموا منه ودخلوا البر فلم يتبعهم وعاد عنهم فرجعوا إلى الفساد فاستعد لسلوك البر خلفهم أين قصدوا وعطف نحوهم قاصدا حربهم فدخلوا البر فتبعهم فلحقهم بخفان وهو حصن بالبر فأوقع بهم وقتل منهم ونهب أموالهم وجمالهم وعبيدهم واماءهم وشردهم كل مشرد وحصر خفان ففتحه وخربه وأراد تخريب القائم به وهو بناء من آجر وكلس فصانع عنه صاحبه ربيعة بن مطاع بمال بذله فتركه وعاد إلى البلاد وهذا القائم قيل إنه كان علما تهتدي به السفن لما كان البحر يجئ إلى النجف ودخل بغداد ومعه خمسة وعشرون رجلا من خفاجة عليهم البرانس وقد شدهم بالحبال إلى الجمال وقتل منهم جماعة وصلب جماعة وتوجه إلى حربي فحصرها وقرر على أهلها تسعة آلاف دينار وأمنهم. وفيها في شعبان حصر الأمير أبو المعالي قريش بن بدران صاحب الموصل مدينة الأنبار وفتحها وخطب لطغرلبك فيها وفي سائر اعماله ونهب ما كان فيها للبساسيري وغيره ونهب حلل أصحابه بالخالص وفتحوا بثوقه فامتعض البساسيري من ذلك وجمع جموعا كثيرة وقصد الأنبار وحربى فاستعادهما.
وفيها في شهر رمضان ابتدأت الوحشة بين الخليفة القائم العباسي والبساسيري لان أبا الغنائم وأبا سعد ابني المحلبان صاحبي قريش بن بدران وصلا بغداد سرا فامتعض البساسيري من ذلك وقال هؤلاء وصاحبهم كبسوا حلل أصحابي ونهبوا وفتحوا البثوق وأسرفوا في اهلاك الناس وأراد اخذهم فلم يمكن منهم فمضى إلى حربي وعاد ولم يقصد دار الخليفة على عادته ونسب البساسيري ما جرى إلى رئيس الرؤساء وزير القائم واجتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس الرؤساء فمنعها وطالب بالضريبة التي عليها واسقط مشاهرات الخليفة من دار الضرب ومشاهرات رئيس الرؤساء وحواشي الدار وأراد هدم دور بني المحلبان فمنع منه فقال ما أشكو الا من رئيس الرؤساء الذي قد خرب البلاد واطمع الغز وكاتبهم ودام ذلك إلى ذي الحجة فسار البساسيري إلى الأنبار واحرق ناحيتي دمما والفلوجة وكان أبو الغنائم بن المحلبان بالأنبار قد اتاها من بغداد وورد نور الدولة دبيس إلى البساسيري معاونا له على حصرها ونصب البساسيري عليها المجانيق وهدم برجا ورماهم بالنفط فاحرق أشياء كان قد أعدها أهل البلد لقتاله ودخلها قهرا فاسر مائة نفس من بني خفاجة وأسر أبا الغنائم بن المحلبان فاخذ وقد ألقى نفسه في الفرات ونهب الأنبار وأسر من أهلها خمسمائة رجل وعاد إلى بغداد وبين يديه أبو الغنائم على جمل وعليه قميص احمر وعلى رأسه برنس وفي رجليه قيد وأراد صلبه وصلب من معه فسأله نور الدولة ان يؤخر ذلك حتى يعود واتى البساسيري إلى مقابل التاج فقبل الأرض وعاد إلى منزله وترك أبا الغنائم لم يصلبه وصلب جماعة من الاسرى فكان هذا أول الوحشة بينه وبين الخليفة. وفي سنة 447 حمل أبا سعد النصراني جرار خمر في سفينة فقصدا جماعة السفينة وكسروا الجرار وبلغ ذلك البساسيري فنسبه إلى رئيس الرؤساء وتجددت الوحشة فكتب فتاوى اخذ فيها خطوط الفقهاء الحنفية بان الذي فعل من كسر الجرار تعد غير واجب وهي ملك رجل نصراني لا يجوز ووضع رئيس الرؤساء الأتراك البغداديين على ثلب البساسيري وذمه وحضروا في رمضان دار الخليفة واستأذنوا في قصد دور البساسيري ونهبها فاذن لهم في ذلك فقصدوها ونهبوها وأحرقوها ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه ونهبوا دوابه وجميع ما يملكه ببغداد وأطلق رئيس الرؤساء لسانه في البساسيري وذمه ونسبه إلى مكاتبة المستنصر صاحب مصر وأفسد الحال مع الخليفة إلى حد لا يرجى صلاحه وارسل إلى الملك الرحيم يأمره بابعاد البساسيري فأبعده وكانت هذه الحالة من أعظم الأسباب في ملك السلطان طغرلبك العراق وقبض الملك الرحيم وكان طغرلبك قد سار إلى همذان في المحرم من سنة 447 فعظم الارجاف ببغداد وشغب الأتراك ببغداد وقصدوا ديوان الخلافة ووصل طغرل إلى حلوان فاخرج الأتراك خيامهم إلى ظاهر بغداد وسمع الملك الرحيم بقرب طغرل من بغداد فاصعد من واسط إليها وفارقه البساسيري لمراسلة وردت من القائم في معناه إلى الملك الرحيم