عز وجل عن وحشة الظلم. فانتبهت وقد انفتح لي ما أريد فابتدأت بهذا وأتمت عليه.
وغنى مغن في مجلس أحمد بن يوسف، ولم يك محسنا، فلم ينصتوا له و تحدثوا مع غنائه فغضب. فقال احمد: أنت عافاك الله تحمل الآذان ثقلا، والقلوب مللا، والأعين قباحة، والأنف نتنا ثم تقول: اسمعوا مني، وأنصتوا إلي؟ هذا إذا كانت أفهامنا مقفلة وحواسنا مبهمة، وأذهاننا صدئة! رضيت بالعفو منا، والا قمت مذموما عنا؟!.
وخاصم أحمد رجلا بين يدي المأمون، فكان قلب المأمون على احمد فقال وقد عرف ذلك: يا أمير المؤمنين! انه يستملي من عينيك ما يلقاني به، ويستبين بحركتك ما تجنه لي وبلوع ارادتك أحب إلي من بلوع أملي، ولذة اجابتك أحب إلي من لذة ظفري وقد تركت له ما نازعني فيه، وسلمت اليه ما طالبني به. فشكر المأمون ذلك له.
ومن كلامه: لقد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلغك من الفضل أبعد غايته. فالآمال إليك مصروفة، والأعناق إليك معطوفة، عندك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة وبك تثنى الخناصر، وتستفتح إغلاق المطالب، ولا يستريث النجح من رجاك، ولا تعروه النوائب في ذراك.
ومن كلامه: لك جد تنجده همتك، وانعام تفوه به نعمتك فهي تحسر الناظر إليها، وتحير الواقف عليها. حتى كأنها تناجيه بحسن العقبى، وتوحي اليه ببعد المدى، ولله در نابغة بني ذيبان في قوله:
مجلتهم ذات الاله ودينهم قويم فما يرجون غير العواقب ومن كلامه: من اتسع في الافضال اتسعت به الأقوال: من شاكر مثن، ومادح مطر ولسنا نصفك بما يعن لنا ويذل على ألسننا مما يتقرب به ذو الرغبة، ويضرع اليه ذو الرهبة لاستنزال مرغوب أو استيجاب مطلوب. ولكننا ننطق عن سيرتك بافصاح ونبين عنها بايضاح، فنكف شغب الكائد ونطيل نفس الحاسد.
ومن كلامه: كفى عارا على راغب ان يعدل برغبته عن الأمير، إذ كانت عائدته تشير إليها، وتقف راجيه عليها. فالقصد بها حيث يومي لها، من منبت رافع، ومسرح واسع، أولى براجي نجاحها، وتصديق الأمل فيها، من ايقافها على حيرة، واقحامها في شبهة لم يضح نهج السبيل إليها ولا نصبت اعلام جود عليها، فأقل ما في الأمير من كرم الخلال يربي على كثير من فنون المقال. فجهد المادح له ان يبلغ أدنى فضله كما أن غاية الشكر ان يجزي أيسر نعمه. فأطال الله مدته، وادام له دولته وتمم عليه نعمته.
ومن كلامه يعتذر إلى بعض الاخلاء: لي ذنوب ان عددتها جلت، وان ضممتها إلى فضلك حسنت. وقد راجعت إنابتي وسلكت طريق استقامتي، وعلمت ان توبتي آكد ظ في حجتي، واقراري أبلغ في معذرتي. فهذا مقام التائب من جرمه، المتضمن حسن الفيئة على نفسه.
فقد كان عقابك بالحلم عني، أبلغ من امرك بالانتصاف مني، فان رأيت أن تهب لي ما استحققته من العقوبة، لما ترجوه من المثوبة، فعلت إن شاء الله .
ومن كلامه: قد كان كتابي نفذ إليك بما كان غيره أولى بي، والزم لي في حق الحرية والكرم، اللذين جعلا لك إرثا، والشرف والفضل اللذين قسما لك حظا. ولكنني دفعت اتصال الزلل، والاخلال بالعمل، إلى ما اضطرني إلى محادثتك ودعاني إلى مخالفتك لأجلي عني هبوة الاتهام، واصرف عنك عارض الملام. وقد جرى لك المقدار بالسؤدد الذي خصك بمزيته، وأفردك بفضيلته. فليس يحاول أحد استقصاء عليك الا عرض دونه حاجز من واجبك يضطره إلى ذلة التنصل إليك، ويجور ذلك عن التعمد.
وكتب إلى بعض الاخلاء وقد اعتل: ورد كتاب صاحبي علي، يذكر شكوى قبلك، فكره إلي الاستبداد عليك بالصحة وقبح عندي ترك مشاركتك في العلة، ولم يكن لي حول بتغيير ما قدر الله في جسمي، ولا بنقل ما ألم بجسمك إلي. فاستل كذا بألم قلبي، وأسكنته همي وكابتي لأكون كأسوة المنقطعين إليك، المنتظمين في خيطك وجعلت ذلك شعاره في علتك حتى يأتيني المرجو من سلامتك. وأخرت الكتاب بالعيادة وارسال من يقوم مقامي فيها لديك لأني إذا استقصيت في الكتاب وصف ما يداخلني طال، فعققت به من قصدت بره. والرسول فلا يحتمل ما يتضمنه صدري، فينثل كنه ما عندي، ولا يلقاك بسحنة مرسله، التي تترجم عن نيته، فاني لكذاك أمثل بين التقرير في اتيانك قبل استئذانك، أو تقدمة استطلاع رأيك، إذ جاءني البشير بافراقك واقبال العافية إليك وظهور تباشيرها. فانحصر كل هم، وزال كل غم ورحب من الأرض ما كان متضايقا علي، واستقبلت أملا سرتني جدته، وسرى عني ما كنت أجده. فالحمد لله الذي أشجى عدوك، ولم يصدك طمعه، وأزال غصة وليك، ولم يحقق حذره أنا أسال الله الذي وهب لنا اقالته وساق إليك عافيته ان يهب لك عمرا زائدا على أمنيتك، متجاوزا حد احسانك. موفيا على مبلغ ظنك، ويصل العز لك في أمده بكريم القلب من بعده. ويجعل حسن بلائه عندك كمدا في صدر حاسدك، وجمالا في عين مؤملك، وسرورا للمتصلين بك إن شاء الله.
وكتب: من قصر في الشغل عمره، قل في العطلة صبره، وما من وجهة أؤمل فيها سد اختلالي الا دهمتني فيها خيبة تكسف بالي. وأنت من لا يتخطاه الأمل في أوان عطلته، ولا يجاوز رجاءه الحرمان في حين ولايته.
وليس لذم عليك طريق، ولا إلى مدحك سبيل، لأني إذا قلت فيك ما لا تعرف به عورضت بالتكذيب، وان أتيت بما لم تولني طالبت حالي بالتحقيق. فلا يرى الناس فيها أثر تصد، وقد صفرت يدي من فائدتك، بعد ان كنت ملأتها من عائدتك. فان رأيت أن تجبرني من الحدثان، وتقيلني من قيد الزمان، فعلت إن شاء الله.
قال أبو بكر: ومكاتبة أحمد بن يوسف كثيرة شهيرة معروفة مألوفة، فاتيت بالقليل منها ليستدل بها على جميعها، إن شاء الله.
كتابه عن لسان عبد الله بن طاهر إلى المأمون في قتل المخلوع في معجم الأدباء: حدث الصولي قال كان من أول ما ارتفع به أحمد بن يوسف ان المخلوع لما قتل امر طاهر الكتاب ان يكتبوا إلى المأمون فأطالوا فقال طاهر أريد أخصر من هذا فوصف له أحمد بن يوسف فأحضره فكتب: اما بعد فان المخلوع وان كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة فقد فرق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصمة