مما دل على أن ذلك كان معروفا مشهورا عنه.
لماذا لم يأكل اللحم؟
وقد علل امتناعه عن اكل اللحوم وغيرها في أحد أجوبته في المراسلة التي دارت بينه وبين داعي الدعاة. قال في جواب احدى تلك الرسائل:
قد بدأ المعترف بجهله المقر بحيرته وعجب ان مثله يطلب الرشد ممن لا رشد عنده وقد ذكر أيد الله الحق بحياته بيتا من ابيات على قافية الحاء ذكرها وليه ليعلم غيره ما هو عليه من الاجتهاد في التدين وما حيلته في قوله تعالى من يهد الله فهو المهتد وأولها:
غدوت مريض العقل والدين فالقني * لتعلم انباء الأمور الصحائح فلا تأكلن ما اخرج الماء ظالما * ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح والحيوان البحري لا يخرج من الماء الا وهو كاره والعقل لا يقبح ترك اكله وان كان حلالا لان المتدينين لم يزالوا يتركون ما هو لهم حلال مطلق:
وابيض أمات أرادت صريحه * لأطفالها دون الغواني الصرائح والمراد بالأبيض اللبن والأم إذا ذبح ولدها وجدت عليه وجدا عظيما وسهرت لذلك ليالي فأي ذنب لمن تحرج عن ذبح السليل ولم يرغب في استعمال اللبن ولم يزعم أنه محرم وانما تركه اجتهادا في التعبد ورحمة للمذبوح رغبة ان يجازى عن ذلك بغفران خالق السماوات والأرض وإذا قيل إن الله سبحانه يساوي بين عباده في الاقسام فأي شئ أسلفته الذبائح من الخطا حتى تمنع حظها من الرأفة والرفق:
فلا تفجعن الطير وهي غوافل * بما وضعت فالظلم شر القبائح وقد نهى النبي ص عن صيد الليل وذلك أحد القولين في قوله ع أقروا الطير في وكناتها وفي الكتاب العزيز يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم فإذا سمع من له أدنى حس هذا القول فلا لوم عليه إذا طلب التقرب إلى رب السماوات والأرضين بان يجعل صيد الحل كصيد الحرم وإن كان ذلك ليس بمحظور:
ودع ضرب النحل الذي بكرت له * كواسب من أزهار نبت فوائح لما كانت النحل تحارب الشائر عن العسل بما تقدر عليه فلا غرو ان اعرض عن استعماله رغبة في أن تجعل النحل كغيرها مما يكره من ذبح الأكيل واخذ ما كان يعيش به لتشربه النساء كي يبدن وغيرها من بني آدم وروي عن علي ع حكاية معناها انه كان له دقيق شعير في وعاء يختم عليه فإذا كان صائما لم يختم على شئ منه وقد كان ع يصل اليه غلة كثيرة ولكنه كان يتصدق بها ويقتنع أشد اقتناع. وروي عن بعض أهل العلم أنه قال في بعض خطبه ان غلته تبلغ في السنة خمسين ألف دينار وهذا يدل على أن الأنبياء والمجتهدين من الأئمة يقصرون نفوسهم ويؤثرون بما يفضل عنهم أهل الحاجة. وقد أوما سيدنا الرئيس إلى أن من ترك اكل اللحم ذميم ولو اخذ بهذا المذهب لوجب على الإنسان ان لا يصلي الا ما افترض عليه ومن له مال كثير إذا اخرج زكاته لا يحسن به ان يزيد على ذلك. واما ما ذكره من المكاتبة في توسيع الرزق علي فالعبد الضعيف العاجز ما له رغبة في التوسع ومعاودة الأطعمة وتركها صار له طبعا ثانيا وانه ما اكل شيئا من حيوان خمسا وأربعين سنة.
سبب ذكرنا له في هذا الكتاب كنا عازمين أولا على عدم ذكره لما ينسب اليه من سوء الاعتقاد ثم تبدل عزمنا في ذلك فذكرناه هنا لا لأنه ظهر لنا صحة اعتقاده بل نحن في امره على ما أسلفناه وانما ذكرناه في هذا الكتاب مع ما يقال في حقه من الالحاد ومع ظهور أشعاره في ذلك وغير هذا مما مر لأننا وجدنا له أمورا توجب ميله إلى التشيع مع كون الناس في امر عقيدته مختلفين ومع ذكر صاحب نسمة السحر له في شعراء الشيعة. اما ابن شهرآشوب فلم يعده في شعراء الشيعة فهو على فرض صحة عقيدته مظنون التشيع وعلى فرض فسادها فهو شيعي بالمعنى الأعم. اما ما يدل على تشيعه فقوله في مدح أحد العلويين من قصيدة:
وعلى الدهر من دماء الشهيدين * علي ونجله شاهدان فهما في أواخر الليل فجران * وفي أولياته شفقان ثبتا في قميصه ليجئ الحشر * مستعديا إلى الرحمن وجمال الأوان عقب جدود * كل جد منهم جمال أوان يا ابن مستعرض الصفوف ببدر * ومبيد الجموع من غطفان أحد الخمسة الذين هم الاعراض * في كل منطق والمعاني والشخوص التي خلقن ضياء * قبل خلق المريخ والميزان قبل ان تخلق السماوات أو تؤمر * أفلاكهن بالدوران لو تأتي لنطحها حمل الشهب * تروى عن رأسه الشرطان أو أراد السماك طعنا لها عاد * كسير القناة قبل الطعان أو رمتها قوس السماء لزال العجر * منها وخانها الأبرهان أو عصاها حوت النجوم سقاه * حتفه صائد من الحدثان وبهم فضل المليك بني حواء * حتى سموا على الحيوان شرفوا بالشراف والسمر عيدان * إذا لم يزن بالخرصان وقوله أورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:
أرى الأيام تفعل كل نكر * فما انا في العجائب مستزيد أليس قريشكم قتلت حسينا * وكان على خلافتكم يزيد وقوله أورده في نسمة السحر:
امر الواحد فافعل ما امر * واشكر الله ان الفعل امر اضمر الخيفة واضمر قلما * أدرك الطرف المدى حتى ضمر أيها الملحد لا تعص النهى * فلقد صح قياس واشتهر ان يعد في الجسم يوما روحه * فهو كالربع خلا ثم عمر وهي الدنيا أذاها ابدا * زمر واردة اثر زمر يا أبا السبطين لا تحفل بها * أعتيق ساد فيها أم عمر ومما يدل على تشيعه تأليفه كتابا في بعض فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، ذكره ياقوت في مؤلفاته فإنه لم يعهد لغير الشيعة التاليف في فضائله وحده.
عقيدته في رسالة الغفران وربما يستظهر من رسالة الغفران انها استهزاء بالشرائع وخاصة قصة دخول علي بن القادح الجنة وارسال الزهراء ع جاريتها اليه وقوله لها:
ست ان أعياك أمري * فاحمليني زقفونه