بثماني عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن خاقان وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم وكان من أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لهم ع فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسر من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان فقال أحمد بن عبيد الله. وروى الكليني عن الحسن بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوما ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت فقال: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه على أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء والكتاب وعامة الناس فاذكر اني كنت يوما قائما على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا أبو محمد بن الرضا بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له فتعجبت مما سمعت منهم ومنه من جسارتهم ان يكنوا رجلا بحضرة أبي ولم يكن يكنى عنده الا خليفة أو ولي عهد أو من امر السلطان ان يكنى. قال الصدوق والمفيد فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة جميل الوجه حدث السن له جلالة وهيبة فلما نظر اليه أبي قام فمشى اليه خطا ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد ولا بأولياء العهد فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه ومنكبيه وصدره واخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويكنيه ويفديه بنفسه وأبويه وانا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال الموفق قد جاء وكان لموفق إذا جاء ودخل على أبي تقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمانه الخاصة فقال حينئذ إذا شئت جعلني الله فداك أبا محمد ثم قال لغلمانه خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الأمير يعني الموفق فقام وقام أبي فعانقه وقبل وجهه ومضى فقلت لحجاب أبي وغلمانه ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل فقالوا هذا رجل من العلوية يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في امره وامر أبي وما رأيت منه حتى كان الليل وكانت عادته ان يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال يا احمد أ لك حاجة فقلت نعم يا أبه فان أذنت سألتك عنها فقال قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت قلت يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والاكرام والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك فقال يا بني ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ذاك امام الرافضة ثم سكت ساعة وانا ساكت ثم قال يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا لفضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه لرأيت رجلا جليلا جزلا خ ل نبيلا خيرا فاضلا فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي وما سمعته منه فيه ورأيت من فعله به ولم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره والبحث عن امره فما سالت عنه أحدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس الا وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا ولا عدوا الا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريين يا أبا بكر فما حال أخيه جعفر فقال ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به إلى أن قال: ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي ان ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته مبادرا إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته فيهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فامرهم بالاختلاف اليه وتعهده في صباح ومساء فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة جاءه من اخبره انه قد ضعف فركب حتى بكر اليه ثم أمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وأمانته فاحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى توفي لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة 260 فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة مات ابن الرضا وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا اثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحبل فدخلن على جواريه فنظرن إليهن فذكر بعضهن ان هناك جارية بها حبل فامر بها فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم ثم اخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركب أبي وبنو هاشم والقواد و الكتاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة، فلما فرغوا بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف انفه على فراشه وحضره من خدام أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ثم غطى وجهه وقام يصلي عليه وكبر عليه همسا وامر بحمله وحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه فلما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي. والسلطان على ذلك يطلب اثر ولده فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار فزبره أبي وأسمعه ما كره وقال له يا أحمق ان السلطان أعزه الله جرد سيفه وسوطه في الذين يزعمون أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له ذلك فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم ولا غير سلطان وان لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا فاستقله أبي عند ذلك واستضعفه وامر ان يحجب عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي وخرجنا والامر على تلك الحال والسلطان يطلب اثر ولد الحسن بن علي إلى اليوم وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا وشيعته مقيمون على أنه مات وخلف ولدا يقوم مقامه في الإمامة اه.
والفضل ما شهدت به الأعداء وفي مشتركات الكاظمي يعرف برواية عبد الله بن جعفر الحميري عنه.