الخمسة. ونقل الإشكال بوجهين:
أحدهما: كيف يمكن نفي علم الغيب عما أخبر به، مع أنك قد عرفت أن الغيب عبارة عما غاب عن الخلق علمه وخفي مأخذه زمانا أو مكانا أو نفسا.
وثانيهما: كيف يصلح حصر علم الغيب في الأمور الخمسة، فإنه بعد ما كان المدار على التعلم من ذي علم فلا تفاوت بين تلك الأمور وغيرها، فشرع في تحقيق المقام وجعل الأدلة على ثلاث طوائف:
الأولى: ما دل على اختصاص علم الغيب بالله ونفيه عمن سواه مثل عدة من الآيات والروايات.
والثانية: مثل ما دل بعلم المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث، وما دل بعلم ملك الموت بأوقات الآجال، وما دل على إخبار الأنبياء بالمغيبات، وما دل على علم النبي والأئمة بما كان وما يكون وما هو كائن وغير ذلك.
والثالثة: ما يستفاد منه التفصيل، وبه يجمع بين الطائفتين ويقيد إطلاقهما أو يخصص عمومهما، ووجه الجمع أمور ثلاثة:
الأول: أن يكون المراد بالأدلة الحاصرة للغيب في الله سبحانه النافية عن غيره، أنه سبحانه عالم به بذاته لا يعلمه غيره كذلك. فيكون المراد بالأدلة الثانية أن غيره تعالى يعلم الغيب بعلم مستفاد منه بوحي أو إلهام أو نكت في القلوب ونقر في الأسماع. أو غير ذلك من جهات العلم. واستدل على ذلك بقوله سبحانه: * (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) * و * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) *. ثم ذكر عدة من الروايات الواردة في تفسير الآية، وما يناسب ذلك. وقد ذكرنا في كتابنا " اثبات ولايت " الطبع الثاني أكثر وأوفر وأبسط مما ذكر.
قال: الوجه الثاني (من وجوه الجمع) أن يقال: إن الغيب على قسمين: قسم هو غيب عند الكل مخفي مكفوف عن الكل. وقسم هو غيب عند بعض وشهادة عند آخر.