ساعدة الأيادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر، وهو يخطب الناس ويقول:
اجتمعوا أيها الناس، فإذا اجتمعتم فانصتوا، فإذا أنصتم فاستمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فاحفظوا، فإذا حفظتم فاصدقوا، ألا إن من عاش مات، ومن مات فات، ومن فات فليس بآت، إن في السماء خبرا وفي الأرض عبرا، سقف مرفوع ومهاد موضوع ونجوم تمور وليل يدور وبحار ماء لا تغور، يحلف قس ما هذا بلعب وأن من وراء هذا لعجبا، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا؟! يحلف قس يمينا غير كاذبة أن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة (1).
مجالس المفيد: عن ابن عباس قال: لما قدم على النبي (صلى الله عليه وآله) وفد أياد قال لهم:
ما فعل قس بن ساعدة، كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل أورق وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة - الخبر (2).
وهو قريب من السابق، ثم قال رجل من القوم: يا رسول الله لقد رأيت من قس عجبا. قال: وما الذي رأيت؟ قال: بينما أنا يوما بجبل في ناحيتنا يقال له سمعان في يوم غائظ (3) شديد الحر، إذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين ماء (4) وإذا حواليه سباع كثيرة، وقد وردت حتى تشرب من الماء وإذا زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده وقال: كف حتى يشرب الذي ورد قبلك.
فلما رأيته وما حوله من السباع هالني ذلك ودخلني رعب شديد، فقال لي: لا بأس عليك لا تخف، إن شاء الله. وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد، فلما آنست به قلت:
ما هذان القبران؟ قال: قبر أخوين كانا لي يعبدان الله في هذا الموضع معي، فماتا فدفنتهما في هذا الموضع واتخذت فيما بينهما مسجدا أ عبد الله فيه حتى ألحق بهما.