منها، لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى ولهذا قال: * (ألا تعبدوا إلا إياه) *. والعبادة ضربان: عبادة بالتسخير كسجود الحيوانات والنباتات والظلال، قال الله تعالى: * (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) *، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وإنها خلق فاعل حكيم.
والضرب الثاني: عبادة بالاختيار وهي لذوي النطق، وهي المأمور بها في نحو قوله تعالى: * (اعبدوا ربكم) *. والعبد يقال على أربعة أضرب: الأول: عبد بحكم الشرع، وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه، نحو العبد بالعبد. والثاني عبد بالإيجاد، وذلك ليس إلا لله، قال تعالى: * (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) *. والثالث عبد بالعبادة والخدمة، والناس في هذا ضربان: عبد لله مخلصا كقوله تعالى: * (وعباد الرحمن، إن عبادي، عبدنا أيوب، عبدا شكورا) *.
ونحو ذلك. وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار، وعلى هذا النحو يصح أن يقال: ليس كل إنسان عبدا لله، فإن العبد على هذا بمعنى العابد، لكن العبد أبلغ من العابد والناس كلهم عباد الله، بل الأشياء كلها كذلك لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار. إنتهى.
ويناسب في هذا المقام نقل هذه الأشعار من الدرة قال:
واحذر لدى التخصيص بالعبادة * شركا وكذبا واتباع العادة إياك من قول به تفند * فأنت عبد لهواك تعبد تلهج في إياك نستعين * وأنت غير الله تستعين ينعي على الباطن حسن ما علن * ما أقبح القبيح في زي حسن حسن له الباطن فوق الظاهر * واعبده بالقلب النقي الطاهر وتب إليه وأنب واستغفر * وسدد الطاعة بالتفكر وقم قيام الماثل الذليل * ما بين أيدي الملك الجليل