الظن إثم) * فليس لك أن تعتقد في غيرك سوء إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل، وما لم تعلمه ثم وقع في قلبك فالشيطان يلقيه، فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق فلا يجوز تصديقه، ومن هنا جاء في الشرع أن من علمت في فيه رائحة الخمر لا يجوز أن تحكم عليه بشربها ولا يحده عليه، لإمكان أن يكون تمضمض به ومجه أو حمل عليه قهرا، وذلك أمر ممكن، فلا يجوز إساءة الظن بالمسلم، وقد قال (صلى الله عليه وآله): " إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء ".
فإن قلت: فما أمارة عقد القلب بالسوء؟ قلت: هو أن يتغير القلب معه عما كان فينفر عنه نفورا لم يعهده ويستثقله ويفتر عن مراعاته وتفقده وإكرامه والاهتمام بسببه، فهذه أمارات عقد الظن وتحقيقه، وقد قال (صلى الله عليه وآله): ثلاث في المؤمن لا يستحسن وله منهن مخرج، فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه، والشيطان قد يقرر على القلب بأدنى مخيلة مساءة الناس، ويلقي إليه أن هذا من فطنتك وسرعة تنبهك وذكائك، وأن المؤمن ينظر بنور الله، وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته.
فأما إذا أخبرك به عدل فمال ظنك إلى تصديقه كنت معذورا، لأنك لو كذبته لكنت جانيا على هذا العدل، إذا ظننت به الكذب، وذلك أيضا من سوء الظن. نعم ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة ومحاسدة ومقت فيتطرق التهمة بسببه وقد رد الشرع شهادة العدو على عدوه للتهمة، فلك عند ذلك أن تتوقف في إخباره، ولا تصدقه، ولا تكذبه، ولكن تقول: المستور حاله كان في ستر الله عني، وكان أمره محجوبا، وقد بقي كما كان لم ينكشف لي شئ من أمره.
وقد يكون الرجل ظاهر العدالة، ولا محاسدة بينه وبين المذكور، ولكن يكون من عادته التعرض للناس، وذكر مساويهم، فهذا قد يظن أنه عدل وليس بعدل، فإن المغتاب فاسق، وإذا كان ذلك من عادته ردت شهادته، إلا أن الناس لكثرة الاعتياد تساهلوا في أمر الغيبة، ولم يكترثوا بتناول أعراض الخلق.
ومهما خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له