هذا وهو مشرك بالله، وقد غلبت رأفته بالمشركين على شح نفسه، وأنت مؤمن بالله، وابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك، فإنك لا تجمع المال إلا لواحدة من ثلاث إن قلت: إنك تجمع لولدك، فقد أراك الله تعالى الطفل الصغير يخرج من بطن أمه لا مال له، فيعطيه. فلست بالذي تعطيه بل الله سبحانه هو الذي يعطي، وإن قلت: أجمعها لتشييد سلطاني فقد أراك الله القدير عبرا في الذين تقدموا، ما أغنى عنهم ما جمعوا من الأموال ولا ما أعدوا من السلاح، وإن قلت أجمعها لغاية هي أحسن من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه منزلة إلا العمل الصالح.
يا هذا هل تعاقب من عصاك إلا بالقتل؟ فكيف تصنع بالله الذي لا يعاقب إلا بأليم العذاب، وهو يعلم منك ما أضمر قلبك، وعقدت عليه جوارحك، فماذا تقول إذا كنت بين يديه للحساب عريانا؟ هل يغني عنك ما كنت فيه شيئا؟
قال: فبكى المنصور بكاء شديدا وقال: يا ليتني لم أخلق ولم أك شيئا، ثم قال:
ما الحيلة فيما حولت؟ قال: عليك بأعلام العلماء الراشدين، قال: فروا مني، قال:
فروا منك مخافة أن تحملهم على ظهر من طريقتك، ولكن افتح الباب وسهل الحجاب وخذ الشئ مما حل وطاب، وانتصف للمظلوم، وأنا ضامن عمن هرب منك أن يعود إليك. فيعاونك على أمرك. فقال المنصور: اللهم وفقني لأن أعمل بما قال هذا الرجل، ثم حضر المؤذنون وأقاموا الصلاة، فلما فرغ من صلاته قال: علي بالرجل، فطلبوه فلم يجدوا له أثرا. فقيل: إنه كان الخضر (1).
الفضائل: فيه أنه قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن، ونزل بإيوان كسرى، وأنه أحيى أنوشيروان وسأله عن حاله، فأخبر أنه محروم من الجنة بسبب كفره، ولا يعذب بالنار ببركة عدله وإنصافه بين الرعية (2). وفيه رواية أخرى في إحيائه ظالما طاغيا، وشرحه ما جرى عليه من العذاب لظلمه.
النبوي (صلى الله عليه وآله): ولدت في زمن الملك العادل، يعني أنوشيروان بن قباد، قاتل