هارون الرشيد فلما صرنا بالكوفة وكنا في طاق المحامل إذا نحن ببهلول قاعد يلعب بالتراب فابتدر اليه الخدم فطردوه فأسرعت اليه وقلت هذا أمير المؤمنين قد أقبل فلما حاذاه الهودج قام قائما وقال يا أمير المؤمنين حدثني أيمن بن نايل قال حدثني قدامة بن عبد الله قال رأيت النبي ص بمنى على جمل أحمر تحته رحل رث ولم يكن ضرب ولا طرد. فقلت يا أمير المؤمنين انه بهلول المجنون قال قد عرفت، قال قل وأوجز فقال هب انك قد ملكت الأرض طرا * ودان لك العباد فكان ما ذا أ لست تصير في قبر ويحثو * عليك ترابه هذا وهذا فقال أجدت، قال وأوجز قال يا أمير المؤمنين من رزقه الله مالا وجمالا فعف في جماله وواسى من مال كتب عند الله في ديوان الأبرار فظن هارون أن عليه دينا فقال، قد أمرنا أن يقضي عنك دينك، قال لا تفعل يا أمير المؤمنين لا يقضى دين بدين أردد الحق إلى أهله فجميع ما في يديك دين عليك، فقال قد أمرنا ان يجري عليك نفقة، قال لا تفعل أ تراه أجرى عليك ونسيني، ثم ولى وأنشأ يقول توكلت على الله * وما أرجو سوى الله وما الرزق من الناس * بل الرزق من الله وفي كتاب عقلاء المجانين عن بعض الكوفيين قال حج الرشيد فذكر بهلولا حين دخل الكوفة فامر باحضاره فقال ألبسوه سوادا وضعوا على رأسه قلنسوة طويلة وأوقفوه في مكان كذا ففعلوه به ذلك. وقالوا إذا جاء أمير المؤمنين فادع له، فلما حاذاه الرشيد رفع رأسه اليه وقال يا أمير المؤمنين اسال الله ان يرزقك ويوسع عليك من فضله، فضحك الرشيد وقال آمين، فلما حازه الرشيد دفعه صاحب الكوفة في قفاه وقال أ هكذا تدعو لأمير المؤمنين يا مجنون، قال بهلول اسكت ويلك يا مجنون فما في الدنيا أحب إلى أمير المؤمنين من الدراهم، فبلغ ذلك الرشيد فضحك وقال والله ما كذب. وفي المجالس نقلا من تاريخ گزيده ان بهلولا مر بهارون الرشيد وقد بنى قصرا جديدا فقال لبهلول أكتب شيئا على هذا القصر فاخذ بهلول قطعة من الفحم وكتب. رفعت الطين ووضعت الدين ورفعت الجص ووضعت النص، فإن كان من مالك فقد أسرفت والله لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك فقد ظلمت والله لا يحب الظالمين انتهى وفي الكشكول دخل بهلول وعليان المجنون على الرشيد فكلمهما فأغلظا له في الجواب فامر بنطع وسيف فقال عليان كنا مجنونين، في البلد فصرنا الآن ثلاثة.
ما أثر عنه من المواعظ والحكم زيادة على ما مر في كتاب عقلاء المجانين قال عبد الرحمن الكوفي لقيني بهلول المجنون فقال لي أسألك قلت اسال، قال اي شئ السخاء؟ قلت البذل والعطاء، قال هذا السخاء في الدنيا فما السخاء في الدين؟ قلت المسارعة إلى طاعة الله، قال أ فيريدون منه الجزاء؟ قلت نعم بالواحد عشرة، قال ليس هذا سخاء هذه متاجرة ومرابحة، قلت فما هو عندك؟ قال لا يطلع على قلبك وأنت تريد منه شيئا بشئ. وفيه قال عباس البناء نظر بهلول إلي وانا أبني دارا لبعض أبناء الدنيا، فقال لي لمن هذه الدار؟ فقلت لرجل من نبلاء الكوفة، فقال أرنيه فأريته إياه فناداه يا هذا لقد تعجلت الحماية قبل العناية اسمع إلى صفة دار كونها العزيز أساسها المسك وبلاطها العنبر اشتراها عبد قد أزعج للرحيل كتب على نفسه كتابا وأشهد على ضمائره شهودا، هذا ما اشترى العبد الجافي من الرب الوافي اشترى منه هذه الدار بالخروج من ذل الطمع إلى عز الورع فما أدرك المستحق فيما اشتراه من درك فعلى المولى خلاص ذلك وإقبال الآخرة أحد حدودها ينتهي إلى ميادين الصفا والحد الثاني ينتهي إلى ترك الجفاء والحد الثالث ينتهي إلى لزوم الوفا والحد الرابع ينتهي إلى سكون الرضا في جوار من على العرش استوى، لها شارع ينتهي إلى دار السلام وخيام قد ملئت بالخدام، وانتقال الأسقام وزوال الضر والآلام، يا لها من دار لا ينقضي نعيمها ولا يبيد. دار أسست من الدر والياقوت شرف تلك الخدور وجعل بلاطها من البهاء والنور. قال فترك الرجل قصره وهام على وجهه وأنشأ بهلول يصيح خلفه ويقول يا ذا الذي طلب الجنان لنفسه * لا تهربن فإنه يعطيكا أقول اين هذا ان ضح من الكتاب الذي كتبه أمير المؤمنين ع لمن اشترى دارا وهو موجود في نهج البلاغة، وفيه قال الحسين الصقلي نظرت وقد زار سعدون بهلولا ورأيتهما فسمعت سعدون يقول لبهلول أوصني وإلا أوصيك فناداه بهلول أوصني يا أخي فقال سعدون أوصيك بحفظ نفسك ومكنها من حبك فان هذه الدنيا ليست لك بدار، قال بهلول انا أوصيك يا أخي فقال قل، فقال اجعل جوارحك مطيتك واحمل عليها زاد معرفتك واسلك بها طريق مبغك فان ذكرتك ثقل الحمل فذكرها عاقبة البلوغ. فلم يزالا يبكيان جميعا حتى خشيت عليهما الفناء. وفيه قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد دلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب فقلت ما تصنع هاهنا فقال أجالس أقواما لا يؤذونني وان غبت عنهم لا يغتابونني فقلت قد غلا السعر فهلا تدعو الله فيكشف فقال والله لا أبالي ولو حبة بدينار ان الله تعالى اخذ علينا ان نعبده كما أمرنا وعليه ان يرزقنا كما وعدنا ثم صفق بيديه وأنشأ يقول يا من تمتع بالدنيا وزينتها * ولا تنام عن اللذات عيناه شغلت نفسك فيما لست تدركه * تقول لله ما ذا حين تلقاه وفي الروضات عن الفضيل قال دخلت الكوفة وانا أريد الحج إلى بيت الله الحرام وإذا بهلول جالس بين قبرين قديمين، فقلت له يا بهلول ما جلوسك هاهنا؟ قال يا فضيل أ ما ترى هذه الأعين السائلة والمحاسن البالية والشعور المتمعطة والجلود المتمزقة والجماجم الخاوية والعظام النخرة لا يتقاربون بالأنساب ولا يتواصلون تواصل الأحباب وكيف يتواصل من قد طحنتهم كلاكل البلى وأكلت لحومهم الجنادل في الثرى وخلت منهم المنازل والقرى، قد صارت الوجوه عابسة بعد نضرتها والعظام نخرة بعد قوتها تجر عليهم الرياح ذيولها وتصب عليهم السماء سيولها ثم بكى وجعل يقول تناديك أحداث وهن صموت * وأربابها تحت التراب خفوت فيا جامع الدنيا حريصا لغيره * لمن تجمع الدنيا وأنت تموت قال الفضيل وإذا بهاتف وهو يقول مل الأحبة زورتي فجفيت * وسكنت في دال البلى ونسيت