كذلك لوصف بالهاشمي أو العباسي ولم يقتصر في وصفه على الصيرفي أو الصوفي ويأتي بهلول بن محمد الكوفي وان ابن حجر وصفه بالصيرفي فلعل الاشتباه نشا من هنا وهو غير هذا لاختلاف الأب وعدم الإشارة إلى ما اشتهر به هذا من اظهار الجنون.
وقال في الوفيات حدث عن ايمان بن وائل وعمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود وكان من عقلاء المجانين ووسوس وله كلام مليح ونوادر وأشعار واستقدمه الرشيد وغيره من الخلفاء ليسمع كلامه. قال الأصمعي رأيت بهلولا قائما ومعه خبيص فقلت له أيش معك؟ فقال خبيص! فقلت أطعمني، فقال ليس هو لي، قلت لمن هو؟ قال لحمدونة ابنة الرشيد بعثته لي آكله لها. وقال عبد الله بن عبد الكريم كان لبهلول صديق قبل أن يجن فلما أصيب بعقله فارقه صديقه فبينما بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة إذ رأى صديقه فلما رآه صديقه عدل عنه فقال بهلول ادن مني ولا تخافن غدري * ليس يخشى الخليل غدر الخليل أ ربي الذي ينالك مني * ستر ما يتقى وبث الجميل قال الفضل بن سليمان كان بهلول يأتي سليمان بن علي فيضحك منه ساعة ثم ينصرف، فجاءه يوما فضحك منه ساعة ثم قال عندك شئ نأكله؟ فقال لغلامه هات لبهلول خبزا وزيتونا، فاكل ثم قام لينصرف وقال لسليمان يا صاحب ان جئنا إلى بيتكم يوم العيد يكون عندكم لحم؟ فخجل سليمان. وجاء إلى بعض أشراف الكوفة وقال له أشتهي آكل عسلا بسرقين! فدعا بهما، فاكل من العسل وأمعن فيه، فقال له الرجل لم لا تأكل السرقين كما قلت؟ قال العسل وحده أطيب.
وعبث به الصبيان يوما فنفر منهم والتجأ إلى دار بابها مفتوح، فدخلها وصاحب الدار قائم له ضفيرتان فصاح به ما أدخلك داري؟ فقال يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. وسأله يوما علي بن الصمد البغدادي هل قلت شيئا في رقة البشرة؟ فقال اكتب اضمر ان اضمر حبي له * فيشتكي اضمار اضماري رق فلو مرت به ذرة * لخضبته بدم جاري فقال أريد أرق من هذا! فقال اضمر ان يأخذ المرآة لكي * يبصر وجها له، فأدناها فجاز وهم الضمير منه إلى * وجنته في الهوى فأدماها فقال أريد أرق من هذا أيها الأستاذ! قال نعم وما أظنه اكتب شبهته قمرا إذ مر مبتسما * فكاد يجرحه التشبيه أو كلما ومر في خاطري تقبيل وجنته * فسيلت فكرتي في وجنتيه دما فقال أريد أرق من هذا! فقال يا ابن الفاعلة ارق من هذا كيف يكون؟ رويد لأنظر ان كان طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا انتهى.
تشيعه عن محاضرات الراغب أنه قال كان بهلول يتشيع فقال له إسحاق الكندي أكثر الله في الشيعة مثلك، فقال بل أكثر الله في المرجئة مثلي وفي الشيعة مثلك انتهى واخباره الآتية تدل على أنه كان من أهل الموالاة والتشيع لأهل البيت ع عن بصيرة نافذة. ومر قول المستوفي انه كان من أصحاب الإمامين الصادق وابنه الكاظم ع وان اظهاره الجنون كان بأمر الكاظم ع وقاية لنفسه. وقال صاحب مجالس المؤمنين روي أن البهلول جاء يوما إلى باب بعض أئمة المذاهب فسمعه يقول لتلامذته ان أشياء يقولها جعفر بن محمد الصادق لا تعجبني، يقول إن الشيطان يعذب بالنار وكيف يعذب بالنار وهو مخلوق من النار ويقول إن الله تعالى لا يمكن أن يرى مع أنه موجود وكل موجود يمكن رؤيته ويقول إن العبد هو الفاعل لأفعاله مع أن الله تعالى هو خالق كل شئ. فاخذ بهلول مدرة وضربه بها فشجه وهرب فتبعوه وقبضوا عليه ورفعوا أمره إلى الخليفة فقال بهلول انه يقول إن إبليس مخلوق من النار فلا يمكن أن تؤثر فيه وهو مخلوق من التراب فكيف اثر فيه ويقول إن كل موجود يرى فليرني الألم الذي برأسه ويقول إن الله هو الفاعل لافعال العباد فاذن الله هو الذي ضربه لا انا. ثم حكى صاحب المجالس عن الشيخ الأجل المتكلم محمد بن جرير بن رستم الطبري انه روى في كتاب الايضاح ان البهلول كان مارا في بعض أزقة البصرة فرأى جماعة يسرعون في المشي أمامه فقال لرجل منهم هؤلاء البهائم الشاردون بلا راع إلى أين يذهبون؟ فقال له ذلك الرجل من باب المزاح يطلبون الماء والكلأ فقال له البهلول كيف ذلك مع قلة الحمى والمنع الشديد والله لقد كان العلف كثيرا رخيصا ولكنهم احرقوه بالنار ثم أنشد هذه الأبيات برئت إلى الله من ظالم * لسبط النبي أبي القاسم ودنت إلهي بحب الوصي * وحب النبي أبي فاطم وذلك حرز من النائبات * ومن كل متهم غاشم بهم أرتجي الفوز يوم المعاد * وأنجو غدا من لظى ضارم فلما سمعوا كلامه رجعوا اليه وقالوا له انهم ذاهبون إلى مجلس والي البصرة محمد بن سليمان ابن عم الرشيد، فقال لأي شئ تذهبون اليه؟ فقالوا إن عمرو بن عطاء العدوي من أولاد عمر بن الخطاب ومن علماء الزمان حضر مجلسه ونريد تحقيق حاله ومعرفة مبلغ فضله كماله وان كنت تذهب معنا لتناظره كان ذلك حسنا، فقال لهم بهلول ويلكم مجادلة العاصي توجب زيادة جرأته على العصيان ويمكن أن توقع أصحاب البصيرة في الشبهة ولا شك في وجود الله تعالى ولا شبهة في الحق ولا التباس فإذا كنتم من أهل المعرفة تقنعون بما أخذتم من أهل العرفان فلما يئسوا منه ذهبوا إلى مجلس محمد بن سليمان وحكوا له ما جرى لهم مع البهلول فامر غلمانه باحضاره فاحضروه فلما وصل إلى قرب دار محمد بن سليمان قام عمرو بن عطاء العدوي واستأذن محمد بن سليمان في مناظرة بهلول فاذن له ولما وصل بهلول إلى الدار قال السلام على من اتبع الهدى وتجنب الضلالة والغوى، فقال عمرو بن عطاء السلام على المسلمين إجلس يا بهلول فقال بهلول أ تأمرني بشئ لا مدخل لك فيه وتتقدم فيه على رجل فضله عليك ظاهر، ومثلك في هذا الباب مثل رجل طفيلي على خوان رجل آخر ويريد أن يمتن على الناس ويعطيهم من هذا الخوان، فبقي عمرو بن عطاء مبهوتا لا يحير جوابا، فحينئذ قال محمد بن