قرأ علي طرفا من علم البلاغة طلبا لأن يقوى على النظم وكان يعرض علي ما ينظمه في أول الأمر فأرشده إلى ما ينبغي ثم أكثر ممارسته الشعر حتى صار يعد من شعراء العصر البارزين.
ثم يقول عن تأليفه كتاب الشريف الرضي:
وأخيرا ألف كتابا في الشريف الرضي أجاد فيه كل الإجادة وعرضه علي في مرضه الذي توفي فيه فناقشته فيما اقتضى الحال مناقشته به فكتب ذلك بحضوري.
ثم يقول واصفا له:
وكان يسترشدني في كثير مما يكتبه ويعرف لي الجميل ولم يتغير عن ذلك بتغير الأزمان والأحوال فدل ذلك على طيب طينته وصفاء نفسه. ومن اظهر صفاته عقيدته الاسلامية وعدم تركه للواجبات الدينية، يصوم شهر رمضان ويصلي الفرائض الخمس، الأمر الذي صرنا نعده في هذا الزمان من صفات المدح:
انا لفي زمن ترك القبيح به * من أكثر الناس احسان وإفضال وحج بيت الله الحرام رئيسا لبعثة. ولم تؤثر المعاشرة في عقيدته واعماله الدينية كما أثرت في الكثيرين من أمثاله.
في الحرب العالمية الأولى لم يكد يتم تحصيله الثانوي حتى طلب للجندية في الحرب العالمية الأولى فسيق إلى إسطنبول حيث تسلم فيها رتبته العسكرية ضابط احتياط ومن هناك أرسلت قطعته إلى القفقاس فلاقى الأهوال صابرا محتسبا، ولما تبدت نوايا الاتحاديين في القضاء على زهرة رجالات العرب رأى أنه يخدم دولة همها القضاء على قومه، وكان قد نال إجازة مرضية وعاد إلى دمشق فتوارى فيها بعد انتهاء اجازته حتى انتهاء الحرب.
وارى ان الأستاذ محمد هندية في رسالته التي تقدم ذكرها لم يوضح حقيقة تفكير المترجم في هذا الموضوع فظل الامر مبهما في ذهن القارئ وذلك حين قال متحدثا عن تخليه عن الجيش التركي: وتختمر في رأس التقي فكرة كان قد غرسها فيه أستاذه السيد محسن الأمين... فكرة بغض الأتراك فيصمم على الهرب من صف الترك.
ثم يقول الأستاذ هندية متحدثا عن حياة المترجم السياسية: اما البذور السياسية الأولى عند التقي فهي من غرس أستاذه وصديقه السيد محسن الأمين فهو الذي غرس فيه كره الأتراك والحقد عليهم، كما غرس إلى جانب ذلك حب العرب والتشبث بهذا الحب.
ومن هنا يمكن ان يفهم القارئ ان أستاذه قد غرس في نفسه كره الترك لأنهم ترك، في حين ان مثل أستاذه لا يمكن ان يفكر هذا التفكير ولا يمكن ان يكون عنصريا بهذا الشكل. فالحقيقة ان أستاذه غرس فيه الوطنية السليمة الصحيحة ومنها كره الظالمين ومكافحتهم سواء أكانوا تركا أو انكليزا أو فرنسيا. والأستاذ هندية يقصد هذا ولا شك ولكن عباراته جاءت بحاجة إلى توضيح.
وقد كان لهذه الرحلة العسكرية أكبر الأثر في أدب المترجم لا سيما في شعره كما سيأتي.
بعد الحرب يقول الأستاذ هندية متحدثا عن المترجم فيما بعد الحرب 1918:
وترافق عودته وثبة العرب النفسية فيندفع في عمله بروح الثائر وعزيمة المناضل ويعد نفسه ليكون شاعر النهضة العربية فيلقي بصوت خطابي جهوري قصائده في المحافل والمجتمعات مشيدا بالثوار العرب من ارض الجزيرة العربية. ولكن هذه الفترة لم تنته على الأمة العربية بخير إذ ران عليها استعمار جديد، فقام التقي بالتالي يكافح مع المكافحين ويناضل بلسانه وقلمه حتى اكره على الهجرة إلى الأردن انتهى.
وقد استمرت هجرته إلى الأردن طيلة عهد الثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 ولما خمدت الثورة وهدأت الأحوال عاد فيمن عاد واستمر في دمشق ولم يتركها الا إلى الاصطياف في لبنان والا إلى رحلة إلى العراق وأخرى إلى مصر وأخرى إلى الحج وكما كان لتغربه في الحرب اثر كبير في شعره كان لهجرته إلى الأردن نفس الأثر.
عمله في التدريس كان أول اشتغاله في التدريس بعد نيله شهادة البكالوريا مباشرة وقبل استدعائه للتجنيد إذ تولى التدريس في المدرسة السلطانية الثانوية التي تخرج منها وظل في عمله سنة ثم ذهب مجندا. وبعد الحرب عاد للتدريس فتولى إدارة مدرسة أنموذج البحصة واستمر فيها بعد معركة ميسلون. وكانت السلطات الحاكمة قد أرغمت المدارس على تعليق صورة الجنرال غورو الفرنسي. وكان من عادة المترجم ان يخطب في طلابه، وفي احدى خطبه حرك شعورهم بخطبته الحماسية فحطموا صورة الجنرال وخرجوا في مظاهرة عنيفة مما أدى إلى فصله من عمله وكاد ان يؤدي إلى أسوأ من ذلك.
وهنا فات الأستاذ هندية في رسالته ان يشير إلى مرحلة من مراحل حياة المترجم إذ انه بعد فصله من عمله الحكومي بقي بدون عمل فاحتضنه أستاذه المؤلف وعينه مديرا لمدرسته في دمشق المدرسة العلوية.
فكان له في إدارة هذه المدرسة دور من أعظم أدواره في تخريج طلابها وتوجيههم. وقد كان من حسن حظ كاتب هذه الكلمات وناشر هذا الكتاب حسن الأمين ان كان من بين تلاميذه في المدرسة العلوية، فلم يكن اسما من المترجم في توجيه التلاميذ أفضل الوجهات وأنبلها وهو يتولى بنفسه تدريسهم دروس التاريخ والإنشاء والمحفوظات وله في ذلك أساليب تجل عن الوصف.
ولما اضطرمت الثورة السورية الكبرى سنة 1925 ترك دمشق إلى الأردن حيث تولى فيها التدريس. ثم عاد بعد الثورة كما مر وظل يتولى التدريس في معاهد دمشق لا سيما في دار المعلمات. ثم انتخب عضوا بالمجمع العلمي ومحررا لمجلته وكان يحاضر في دار المعلمين العليا في الجامعة السورية. وظل كذلك حتى وفاته.
تدينه وأخلاقه كان كما وصفه أستاذه فيما تقدم مسلما مؤمنا لا يهمل واجبا دينيا ولا يرتكب محرما. ولكن تدينه كان تدين المثقف الكيس الذي يفهم الدين