الصالح وكأنه في حاشية الكافي: كان إسماعيل رجلا صالحا فظن أبو بصير وغيره من الشيعة أنه وصي أبيه بعده فلذلك قال الصادق ع بعد موته ما بدا لله في شئ كما بدا له في إسماعيل انتهى وقيل في معناه انه ما أظهر الله أمرا كما أظهره فيه حيث أماته قبله ليعلم أنه ليس بامام فالبداء اظهار بعد اخفاء لا ظهور بعد خفاء لأن ذلك محال عليه تعالى والبداء نسخ في التكوين كما أن النسخ نسخ في التشريع. وقال المفيد: إنما أراد ع ما أظهر الله فيه من دفاع القتل عنه وقد كان مخوفا عليه من ذلك مظنونا به فلطف له في دفعه عنه وقد جاء بذلك الخبر عن الصادق ع فروي عنه أنه كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسالت الله تعالى في دفعه عنه فدفعه انتهى والحاصل أنه إذا ورد في الشرع ما لا يمكن ابقاؤه على ظاهره وجب تأويله كتأويل يد الله فوق أيديهم وجاء ربك. الله يستهزئ بهم. سخر الله منهم. إن الله لا يمل حتى تملوا وأمثاله مما لا يحصى كثرة. وفي المناقب: كان الصادق ع قد نص على ابنه موسى ع وأشهد على ذلك ابنيه إسحاق وعليا وعد جماعة من أصحابه وكان ع أخبر بهذه الفتنة بعده وأظهر موت إسماعيل وغسله وتجهيزه ودفنه وشيع جنازته بلا حذاء وأمر بالحج عنه بعد وفاته، قال وروى زرارة بن أعين قال: دعا الصادق ع داود بن كثير الرقي وحمران بن أعين وأبا بصير ودخل عليه المفضل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا فقال: يا داود أكشف عن وجه إسماعيل فكشف عن وجهه فقال: تأمله يا داود أحي هو أم ميت؟ فقال: بل هو ميت. فجعل يعرض على رجل رجل حتى أتى على آخرهم فقال ع اللهم اشهد ثم أمر بغسله وتجهيزه ثم قال: يا مفضل احسر عن وجهه فحسر عن وجهه فقال:
حي هو أم ميت انظروه أجمعكم فقال بل هو يا سيدنا ميت فقال شهدتم بذلك وتحققتموه فقالوا نعم وقد تعجبوا من فعله فقال: اللهم اشهد عليهم ثم حمل إلى قبره فلما وضع في لحده قال: يا مفضل أكشف عن وجهه فكشف فقال للجماعة أنظروا أحي هو أم ميت فقالوا بل ميت يا ولي الله فقال اللهم اشهد فإنه سيرتاب المبطلون يريدون اطفاء نور الله ثم أوما إلى موسى ع وقال والله متم نوره ولو كره الكافرون ثم حثوا عليه التراب ثم أعاد علينا القول فقال: الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو؟
قلنا: إسماعيل ولدك فقال: اللهم اشهد ثم أخذ بيد موسى فقال هو حق والحق معه ومنه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها انتهى ومع كل هذا التأكيد الذي ليس عليه من مزيد فقد بقي ناس على اعتقاد إمامته ذلك لأنهم لم يكونوا من أصحاب أبيه ولا من الرواة عنه وكانوا بعيدين عنه كما ذكره المفيد في كلامه السابق فلم يشاهدوا ذلك ولم يسمعوه أو سمعوا به ولم يتحقق عندهم لغيبتهم. وفي المناقب عن عنبسة العابد قال: لما توفي إسماعيل بن جعفر قال الصادق ع: أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق وداء التواء لا دار استواء في كلام له ثم تمثل بقول أبي خراش:
فلا تحسبن أني تناسيت عهده * ولكن صبري يا أميم جميل وفي المناقب عن كهمس في حديثه: حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله جالس عنده ثم قال بعد كلام كتب على حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا اله إلا الله. وروى عن الصادق ع أنه استدعى بعض شيعته وأعطاه دارهم وأمره أن يحج بها عن ابنه إسماعيل وقال له: انك إذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب ولإسماعيل سهم واحد. قال وأنشد داود بن القاسم الجعفري:
لما انبرى لي سائل لأجيبه * موسى أحق بها أم إسماعيل قلت الدليل معي عليك وما على * ما تدعيه للامام دليل موسى أطيل لها البقاء فحازها * إرثا ونصا والرواة تقول ان الإمام الصادق بن محمد * عزي بإسماعيل وهو جديل وأتى الصلاة عليه يمشي راجلا * أفجعفر في وقته معزول ولم يفرد الكشي لإسماعيل ترجمة بل ذكره في أثناء عدة تراجم قال الكشي في بسام الصيرفي: حدثني محمد بن مسعود حدثني محمد بن نصير حدثنا محمد بن عيسى عن الحسين عن علي بن حديد حدثني عنبسة العابد قال: كنت مع جعفر بن محمد ص في باب الخليفة أبي جعفر بالحيرة حين أتى ببسام وإسماعيل بن جعفر بن محمد فادخلا على أبي جعفر فاخرج بسام مقتولا وأخرج إسماعيل بن جعفر بن محمد فرفع جعفر رأسه إليه وقال: أفعلتها يا فاسق أبشر بالنار إنتهى وقد يتوهم رجوع ضمير إليه إلى إسماعيل وكذا سائر الضمائر والنداء ولكن التأمل الصادق يقضي بأنه ع أراد الاتيان بعبارة موهمة استدفاعا لشر المنصور الذي ما أراد بهذا الكلام غيره، فهو من باب إياك أعني واسمعي يا جارة والحال أن قرائن الحاصل تكسب هذا الحديث شيئا من الاجمال فلا يعارض ما دل صريحا على المدح. ويأتي في المفضل بن عمر رواية الكشي أن الصادق ع قال للمفضل يا كافر يا مشرك ما لك ولابني يعني إسماعيل وكان منقطعا إليه يقول فيه مع الخطابية ثم رجع بعده وفي رواية أخرى أئت المفضل وقل له يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني تريد أن تقتله. وهاتان الروايتان إن صحتا كانتا قدحا في المفضل لا في إسماعيل. والمفضل بن عمر قد ثبت أنه جليل القدر من أهل الأسرار والمكانة العالية كما في ترجمته وما يجاب به عن قول الصادق ع فيه يا كافر يا مشرك يمكن الجواب عما يخص إسماعيل في هذا الخبر مع أنه أقل وأهون إن كان فيه شئ يخص إسماعيل. روى الصدوق في كمال الدين عن الحسن بن راشد قال: سألت أبا عبد الله ع عن إسماعيل فقال عاص عاص لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي وفيه في الصحيح عنه ع والله ما يشبهني وقيل في معناه أن غير الامام لا يشبه الامام والمراد أنه ليس أهلا للإمامة ويرشد إليه ما عن الصادق ع أنه قال للفيض بن المختار أن إسماعيل ليس مني كانا من أبي. أما قوله عاص عاص فيمكن الجواب عنه بنحو ما مر من أنه ليس بمعصوم. وروى الكليني في فروع الكافي في الحسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم أنه كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله ع دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن فقال إسماعيل يا أبت إن فلانا يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا دينارا فترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بضاعة من اليمن فقال أبو عبد الله ع يا بني أما بلغك أنه يشرب الخمرة فقال إسماعيل هكذا يقول الناس فقال: يا بني لا تفعل فعصى أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأت بشئ منها فخرج إسماعيل وقضي أن أبا عبد الله حج وحج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت وهو يقول: اللهم أجرني واخلف علي فلحقه أبو عبد الله ع فهمزه بيده من خلفه وقال له مه يا بني فلا والله ما لك على الله هذا ولا لك أن يؤجرك ولا يخلف عليك وقد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته فقال إسماعيل يا أبة إني لم أره يشرب الخمر إنما سمعت الناس يقولون. فقال أبو عبد الله ع يا بني إن الله عز وجل يقول في كتابه