غزير ماؤها فمنعه ذلك الماء عن متابعة الحفر فاكتفى باجرائه إلى النجف تحت الأرض في قناة عالية محكمة يتخللها آبار مبنية بناء محكما متصلة بعضها ببعض تتخلل دور المدينة ويصب ماؤها في المكان المنخفض خارج البلد ولذلك كانت آبار النجف يعد ماؤها من الماء الجاري ولا تعد آبارا شرعية ولكن هذا الماء كان مالحا لا يصلح للشرب فاكتفى الناس به لحوائجهم وجعل أهل الثروة يجلبون الماء بالروايا من الفرات من ناحية ذي الكفل، والفقراء يشربون من ذلك الماء المالح وربما كان ماء بعض الآبار أقل ملوحة فيتزاحم عليه الناس وتسمى هذه العين عند النجفيين أم البيار ولا تزال باقية إلى اليوم. ولكن في تاريخ النجف لبعض المعاصرين ان عضد الدولة أصلح القناة السالفة لآل أعين فاشتهرت بقناة عضد الدولة أو قناة آل بويه وبني المنهدم منها وأحكمها أشد من الأول وما زالت تسقي النجف وأهله أعذب ماء حتى خربت بعد مئات من السنين انتهى ولم يذكر هذه القناة التي تستمد منها آبار النجف في كتبه أصلا. وعن فرحة الغري ان السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي اجتهد في إسالة ماء الفرات إلى النجف فلم يتفق له ثم إن الصاحب عطاء الملك بن محمد الجويني صاحب ديوان الدولة الايلخانية حفر نهرا من الفرات إلى الكوفة وأمر ببناء قناة من الكوفة إلى النجف تحت الأرض وكان القائم على حفره تاج الدين بن الأمير علي الدلقندي الحسيني فسمي النهر باسمه وقيل لتلك الأرض التي تسقى منه التاجية وبقي هذا اسمها إلى اليوم وعن روضة الصفا انه انفق على حفره ما يزيد على مائة ألف دينار احمر وعن فرحة الغري انه كان جري الماء به حول النجف في رجب سنة 676 ثم خرجت هذه القناة. ولما قامت الدولة الصفوية وجاء الشاه إسماعيل الأول لزيارة النجف الأشرف سنة 914 امر بحفر نهر من الفرات إلى النجف فأوصله إليها بقناة لارتفاع ارض النجف عن الفرات كما أشار اليه في تاريخ عالم آرا ص 707 وحدثت عليه ضياع وبساتين وجعلها الشاه وقفا على المحقق الكركي وأولاده فلم تزل النجف تستقي من ذلك النهر إلى زمن محاصرة العثمانيين النجف أيام السلطان سليم فطم النهر ثم امر الشاه طهماسب بحفر نهر من الفرات إلى النجف فحفر ولم يتم وسقيت منه ارض بنواحي الكوفة تعرف إلى اليوم بالطهماسية ولما جاء الشاه عباس بن محمد خدابنده بن طهماسب بن إسماعيل الأول إلى النجف سنة 1032 امر بتنظيف النهر الذي حفره جده الاعلى إسماعيل فحفر وعمر وعملت فيه عساكر الشاه وجرى الماء فيه حتى دخل مسجد الكوفة وهو المعروف اليوم بنهر المكرية وحيث إن النجف مرتفع ارتفاعا كليا عن ارض الكوفة امر الشاه بحفر قناة توصل الماء إلى النجف فحفرت ووصل الماء إلى الروضة المطهرة ومنها إلى بحر النجف وعمل له بركة في النجف ينزلون إليها ويستقون منها. ذكر ذلك في تاريخ عالم آرا ثم خربت هذه القناة وفي سنة 1042 حفر الشاه صفي نهرا عميقا عريضا من حوالي الحلة إلى مسجد الكوفة ومر به على عمارة الخورنق وأوصلوا الماء إلى داخل السور وبواسطة الدولاب جرى الماء على وجه الأرض والشوارع والصحن الشريف وبنيت بركة للماء بشكل بحيرة ثم درس ذلك كله و في سنة 1208 ارسل يحيى خان آصف الدولة وزير محمد شاه أحد ملوك الهند أموالا طائلة لحفر نهر من الفرات يبتدئ من بلدة المسيب ويمر بالكوفة وسمي هذا النهر نهر الهندية ويقال انه اخذ منه قناة تحت الأرض جري فيها الماء إلى منخفض النجف ويقال ان بعض زعماء النجف طم تلك القناة خوفا من توطن امراء الدولة العثمانية في البلد وإجراء قوانينهم عليها. ثم إن امين الدولة عبد الله خان وزير فتح علي شاه القاجاري ارسل خمسين ألف تومان لاصلاح قناة النجف ورتب المهندس ميرزا تقي على العمل وابتدأوا به من جهة أبو فشيقة إلى كري سعد شرقي النجف وأقاموا على هذا الكري القنطرة الماثلة حتى الآن إزاء أبو فشيقة واطلقوا الماء في الكري فجرى حينا ووقف وساقوه من حيث وقف إلى النجف في قناة والظاهر أنها قناة قديمة وان قيل إنها من صنع امين الدولة وانه شارف العمل بنفسه ولم يطل عمر هذه القناة على ما هو المعروف. كذا عن بعض مجاميع الفاضل الشيبي. ثم إن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر استعان ببعض ملوك الهند وهو السلطان ثريا جاه محمد امجد علي شاه الهندي المتوفى سنة 1263 فأرسل له ثمانين ألف تومان وأرسل له غيره من أهل الهند أموالا طائلة فحفر نهرا من نهر آصف الدولة نهر الهندية إلى سور النجف وأجرى الماء فيه فوقف في محل يقال له الطبيل يبعد عن النجف نحو أربعة أميال من جهة الشمال الغربي وذلك لعدم كون الحفر على هندسة فنية إذ لم ينتبه القائمون على العمل إلى أن النهر من جهة النجف يعلو كثيرا عن أول المجرى وان المقدار الذي حفر لا يكفي لجريان الماء بل يحتاج إلى اضعافه وانه امر غير ممكن بهذه الصفة وتوفي الشيخ في هذه الأثناء ولم يتم ذلك العمل ويرى شئ من ذلك الحفر على بعد بضع خطوات من سور النجف من جهة الشرق ثم إن السيد أسد الله الذي نحن بصدد ترجمته عزم على إتمام ما شرع به الشيخ محمد حسن وشرع في العمل وأتمه في مدة ست سنوات وبقيت الناس تنتفع به نحو 19 سنة كما مر فلما كانت سنة 1307 وذلك قبل مهاجرتنا إلى النجف بسنة جاء في تلك السنة برد عظيم ومطر كثير فجرف الرمول إلى تلك الآبار وسد مجاري الماء وصرفت أموال كثيرة في سبيل إصلاحها فلم تصلح لضعف الهمم وفتور العزائم. وكان قد جفف البحر الذي كان غربي النجف بسد مجرى الماء عنه من جهة الحيرة من النهر المسمى أبو صخير في زمن السلطان عبد الحميد العثماني وجعل موضع النهر مزارع وبساتين تابعة لأملاك السلطان المسماة بالأراضي السنية وفي سنة 1305 أجري لسقيها جدول من نهر الحيرة أبو صخير ولما انقطع ماء القناة سنة 1307 بنيت على هذا الجدول بركة يستقي منها السقاؤون وتردها الدواب والمواشي وكان المباشر لحفرة رجل اسمه عبد الغني وهو القائم باعمال الأراضي السنية من قبل السلطان فنسب النهر اليه فقيل نهر عبد الغني لكن الكثيرين كانوا يسمونه نهر الحيدرية بل لم أسمع من يسميه نهر عبد الغني ولكنه كان معرضا للانقطاع بأحد الفلاحين لمائه لسقي مزارعهم وبوقوع الرمول فيه من هبوب العواصف في الصيف ومن السيول في الشتاء فتبقى الناس ظماء نحو أسبوع حتى يتم تنظيفه وتشتري الماء الذي يجلب من الكوفة بأغلى القيم ولا تجده الا قليلا فامر السلطان عبد الحميد بعد مراجعته بواسطة والي بغداد الحاج حسن باشا بحفر جدول إلى جانب الجدول القديم لاستقاء الناس خاصة وبذل لذلك ألف ليرة ذهبية من خزانته الخاصة ولاصلاحه والمحافظة عليه كل سنة مائة ليرة ذهبية فتم ذلك ووصل الماء في أوائل شهر رمضان سنة 1310 ونحن في النجف الأشرف لكنه أيضا كان معرضا للانقطاع بما مر من العواصف والسيول في الصيف والشتاء وخرجنا من النجف عام 1318 والحال على هذا وفي سنة 1319 ابتدئ باصلاح القناة على يد الشيخ ميرزا حسين بن ميرزا خليل الفقيه المشهور وفرع منه سنة 1327 ولكنه لضعف مجرى الماء من نهر الهندية وتجمع المياه المالحة في الآبار لم يكن صالحا للشرب
(٢٨٨)