والشعوبي فإنه سبحانه يقول: فلا انساب بينهم يومئذ ولا هم يتساءلون ويقول في موضع آخر إن أكرمكم عند الله أتقاكم انتهى وهذا الكلام موضع للتأمل وأعمال النظر فالتحرج عن تفضيل الصحابة بعضهم على بعض مخالف لسيرة جميع المسلمين فكيف يعتمده أبو زيد مع غزارة علمه وفضله، وكيف يقول ذلك وهو يرى براهين التفضيل واضحة واستدلاله بحديث أصحابي كالنجوم إن صح أن المراد به جميع أصحابه لا ينطبق على المدعى كما هو واضح، فان جواز الاقتداء بكل منهم لا يوجب أن يكونوا سواء في الفضل بل في جواز الاقتداء فلا بد أن يكون له في هذا الكلام منحى آخر ولعله إرادة سد هذا الباب لبعض المصالح فو أما آية لا انساب بينهم فلا تدل على عدم التفضيل، وأما آية إن أكرمكم فلا تنافي التفضيل إذ هي تدل على أن الشعوبي التقي أكرم عند الله من العربي الشقي والعربي الأتقى أكرم من العربي الأقل تقوى ولا تنافي ان يكون العربي خيرا من الشعوبي نسبا إذا تساويا في التقوى وذلك ما لا يخفى على أبي زيد فلا بد أن يكون لكلامه منحى آخر أيضا كما مر.
صفته في معجم الأدباء عن كتاب أبي سهل الآنف الذكر: كان أبو زيد كما ذكر أبو محمد الحسن الوزيري وكان رآه واختلف اليه: ربعة نحيفا مصفارا أسمر اللون جاحظ العينين فيهما تأخر ومثل بوجهه آثار جدري صموتا سكينا ذا وقار وهيبة وقد وصفه أبو علي احمد المنيري الزيادي في رسالته التي كتبها اليه وأراد ان يهدم بنيانه فرد عليه أبو زيد في جوابها ما ألبسه الشنار و الصغار ونبه العالم ان حظه من العلوم حظ منكود وأنه فيما أجرى له من كلامه غير سديد وذكر المنيري في جملة ما هجنه به وإنك لا تصلح إلا أن تكون زامرا أو معبرا أو مخنكرا فدل هذا الكلام على أنه كان جاحظ العينيين أشدق مع قصر قامة.
اخباره في معجم الأدباء عن كتاب أبي سهل أحمد بن عبيد الله بن أحمد الآنف الذكر: كان أبوه سجزيا أي من أهل سجستان يعلم الصبيان وولد هو ببلخ في قرية من قراها كما مر قال: هذا ما ذكره أبو محمد الحسن بن محمد الوزيري وله كتاب في أخبار أبي زيد البلخي وسمعت أن أباه كان يعلم بهذه القرية المدعوة شامستيان وكان أبو زيد يميل إليها ويحبها لأجل مولده بها ونزعه إليها حب المولو مسقط الرأس والحنين إلى الوطن الأول ولذلك لما حسنت حاله ودعته نفسه إلى الاعتقاد الضياع والأسباب والنظر للأولاد والأعقاب اختارها من قرى بلخ فاعتقد بها ضيعته ووكل بها همته وصرف إلى اتخاذ العقد بها عنايته وقد كانت تلك الضياع بعد باقية إلى قريب من هذا الزمان في أيدي أحفاده وأقاربه بها وبالقصبة ثم أنهم كما أقدر قد فنوا وانقرضوا. سمعت أن الأمير أحمد بن سهل بن هاشم كان ببلخ وعنده أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي وأبو زيد، ليلة من الليالي. وفي يد الأمير عقد لآلئى نفيسة ثمينة كان حمل اليه من بعض بلاد الهند حين افتتحت فافرد الأمير منها عشرة أعداد وناولها أبا القاسم وعشرة آخر وناولها أبا زيد وقال هذه اللآلئ في غاية النفاسة فأحببت أن أشرككما فيها ولا استبد بها دونكما فشكرا له ذلك ثم أن أبا القاسم وضع لآلئه بين يدي أبي زيد وقال أردت أن أصرف ما برني به الأمير اليه فقال الأمير نعما فعلت ورمى بالعشرة الباقية إلى أبي زيد وقال خذها فلست في الفتوة بأقل حظا من أبي القاسم ولا تغبنن بها فإنها ابتيعت للجراية من الفئ بثلاثين ألف درهم فباعها أبو زيد بمال جليل وصرف ثمنها إلى الضيعة التي اشتراها بشامستيان. قال وعاد من العراق إلى بلخ فلما ورد أحمد بن سهل بن هاشم المروزي بلخ واستولى على تخومها راوده على أن يستوزره فأبى عليه واختار سلامة الأولى والعقبى فاتخذ أبا القاسم الكعبي وزيرا وأبا زيد كاتبا وكلاهما من الكتاب وعظم محلهما عنده وكان رزق أبي القاسم في الشهر ألف درهم ورقا ولأبي زيد خمسمائة فكان أبو القاسم يأمر الخازن بزيادة مائة درهم لأبي زيد من رزقه و كان يأخذ لنفسه مكسرة ويأمر لأبي زيد بأوضح الصحاح فبقوا على ذلك مدة غير طويلة وهلك أحمد بن سهل عن عمر قصير، قال وحكي أن أبا زيد لما دخل على أحمد بن سهل أول دخوله عليه سأله عن اسمه فقال أبو زيد فعجب من ذلك حين سأله عن اسمه فأجاب عن كنيته وعد ذلك من سقطاته فلما خرج ترك خاتمه فأبصره أحمد بن سهل فازداد تعجبا من غفلته ونظر في نقش فصه فإذا عليه أحمد بن سهل فعلم أنه إنما أجاب عن كنيته للموافقة بين اسمه واسمه. قال وحكي أن أبا زيد في حداثته وحال فقره وخلته كان التمس من أبي علي المنيري حنطة فامره بحمل جراب اليه ففعل فلم يعطه وحبس الجراب ومضى على هذا أعوام كثيرة وخرج شهيد بن الحسين إلى محتاج بن أحمد بالصعانيان وكتب إلى أبي زيد كتبا لم يجبه أبو زيد عنها فكتب اليه شهيد بهذين البيتين يعيره بحديث الجراب:
امني النفس منك جواب كتبي * واطمعها لتسكن وهي تأبى إذا ما قلت سوف يجيب قالت * إذا رد المنيري الجرابا قال ولقي أحمد بن سهل الأمير أبا زيد في طريق وقد أجهده السير فقال له عييت أيها الشيخ فقال له أبو زيد نعم أعييت أيها الأمير فنبهه أنه لحن في قوله عييت إذ العي في الكلام والإعياء في المشي وأنشد أبو زيد:
لكل امرئ ضيف يسر بقربه * وما لي سوى الأحزان والهم من ضيف تناءت بنا دار الحبيب اقترابها * فلم يبق الا رؤية الطيف اللطيف وقال أبو زيد: كان ببلخ مجنون من عقلاء المجانين وكان يعرف بأبي إبراهيم إسحاق بن إسحاق البغدادي دخل إلي وكنت ألاعب الأهوازي بالشطرنج فقال أبو زيد والأهوازي لك فتحيرت في هذا الكلام فقال لي أحسب فحسبت بحروف الجمل فكان ستون قال فصل بين كنيتك ونسبة الأهوازي فوصلت فإذا أبو زيد ثلاثون وأهوازي ثلاثون فقضيت عجبا من اختراعه في تلك الوهلة هذا الحساب انتهى ولم يفسر قوله لك فهو بحساب الجمل ثلاثون أي عدد حروف كل منهما عدد حروف لك.
مشايخه قد عرفت مما مر أن من مشايخه أبا يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي المنجم المشهور.
تلاميذه عرفت أيضا أن منهم أبا محمد الحسن بن الوزيري.