- 13 - إن الذي تقدم ترصيصه: من أن الحجر الأساسي لتطور الفقه وتكامله إنما هو اعتبار الخبر الواحد، فالمراد منه هو الاعتقاد بحجيته على صراط الأصوليين، لا على سبيل الأخباريين، لأن الخبر الواحد وإن كان صراطا يهدي سالكه إلى أكثر الأحكام والفروع إلا أن طي ذلك الصراط والانتفاع به لا يتيسر إلا بمصباح العقل، حيث إن العقل وإن لم يكن كافيا للهداية إلى الفروع التعبدية ولكنه لازم لادراك ما تعبد به الشرع، إذ هو متوقف على معرفة المحكم والمتشابه وإرجاعه إلى المحكم، ومعرفة الناسخ والمنسوخ وتقديم الناسخ عليه، ومعرفة المطلق والمقيد وتقييد المطلق به، وهكذا الأمر فيما يرجع إلى السند، للزوم معرفة الصحيح والضعيف، والمروي والمجعول والمنقول والموضوع وهكذا.
ومن هنا يتضح أن القول باعتبار الخبر الواحد كما أنه موجب لتطور الفقه كذلك موجب لتكامل أصول الفقه، لأن غير واحد من المباحث الدقيقة الأصولية متوقف عليه.
فإذا تبين تأثير القول بحجية الخبر الواحد في تطور الفقه وتكامله، يتضح سر تكامل الفقه في مدرسة الشيخ الطوسي - رحمه الله - وعدم تكامله في مدرسة أستاذه السيد المرتضى - رحمه الله - وكذلك عدم تحوله في مدارس السيد ابن زهرة وابن إدريس وغيرهم من منكري حجية الخبر الواحد ممن تقدم على الشيخ - رحمه الله - أو تأخر عنه.
فليس سر ذلك التحول والتكامل نبوغ الشيخ - رحمه الله - فقط وإن كان له سهم وافر، إذ لو فرض اعتقاد الشيخ بما ذهب إليه أستاذه من عدم حجية الخبر الواحد لما أتيحت له فرصة البسط والاستنباط والتخريج، إذ ليس في وسع سائر