لحرمة مزاحمته - يعطي عوضا عنها حتى يصير مباحا بعد أن كان حراما، ولا غرو فيه، فهو عوض للفعل (أي الاعراض والهجر الاختياري) لا للحق، كما سيتضح.
الثالث: في توقف بقاء حق الأولوية على بقاء السبق بحاله إن في تأثير الأشياء واستتباع بعضها بعضا اختلافا بينا، حيث إن بعضها يمكن أن يؤثر بحدوثه أمرا مستمرا حسب الجعل والتعاهد بلا احتياج إلى التأثير المستمر، فحدوث ذاك المؤثر وحده كاف في حدوث الأثر وبقاءه، لعدم إباء الأمور الاعتبارية مثل ذلك.
وأما بعضها الآخر: فلا يمكن أن يكون كذلك، بل لا بد من بقاءه بعد الحدوث حتى يبقى أثره أيضا بعد حدوثه، مثلا جواز الاقتداء خلف العادل أثر لعدالته، ولكن لا بد من استمرارها إلى آخر الصلاة حتى يجوز الاقتداء بقاء إلى آخرها، فمجرد تحقق العدالة في الركعة الأولى غير كاف في جواز الاقتداء حدوثا وبقاء.
والحاصل: أن الحكم في بعض الأشياء يتوقف حدوثه على حدوث ذاك البعض وبقاءه على بقاءه، ومن هذا القبيل حق الأولوية - المجعول لمن سبق إلى المسجد أو غيره من المشتركات العامة كالطريق ونحوه - فمن سبق إلى موضع خاص من المسجد فهو أحق به ما دام سابقا إليه ومستقرا فيه بشخصه أو رحله من اللباس أو المصلى وما إلى ذلك مما يشغل موضعا معتدا به، لا مثل التربة أو السبحة وما إلى ذلك مما لا اعتداد به إلا بالنسبة إلى خصوص ذاك الموضع الخاص المحدود جدا، حيث إنه يشكل صدق (السبق) بمجرد وضع التربة أو السبحة. وكيف كان: يتوقف بقاء الأولوية على بقاء السبق، فمن قام وهجر الموضع فليس له الأولوية حينئذ، إذ ليس ما يتوقف عليه من السبق موجودا. ولا ميز في هذه الجهة بين كونه ناويا