للعود أم لا، بل يكون ذلك بحكم الاعراض لدى العقلاء بلا تأثير لقصد العود، ولذلك تريهم يستبقون إلى موضع سبق إليه سابق فهجره، من دون أن يتأملوا ويتربصوا حتى يتضح لهم أن ذلك مقرون بنية العود أم لا، والسر هو نفاد أمد حقه بمجرد هجره نوى العود أم لا. اللهم إلا أن يبقى رحله، لاستقرار السيرة على ذلك.
وما في الرواية الأولى من " أن الرجل يخرج ليتوضأ فيجئ آخر مكانه ... الخ " محمول على بقاء الرحل، إذ بدونه لا سيرة ولا بناء من العقلاء على الاعتداد - كما يتضح - وليست النصوص الواردة هنا لتأسيس ما لا يتعاهده العقلاء، بل إنما هي لتقرير ما أسسته أيدي غرائزهم وارتكازاتهم، كما يتجه.
الرابع: في أن السبق إلى المسجد ونحوه لا يورث حقا وضعيا متعلقا بالعين إن لبعض الحقوق ميزا تاما عن بعضها بعد اشتراك الجميع في الحقية، حيث إن بعضها حق مالي يوجب تضييعه الضمان، وبعضها حق انتفاعي لا يوجب تفويته إلا الإثم فقط، وذلك نظير حق الانفاق للزوجة على الزوج، وللشخص على العمودين حيث إن (الأول) حق مالي للزوجة، فلذا يضمنه الزوج عند الفوت سوء كانت الزوجة معسرة أو موسرة. وأما (الثاني) فليس إلا حقا انتفاعيا للشخص على والده أو ولده ما دام الاعسار، ولذا لا يضمنه عند التفويت العمدي فضلا عن الفوت القهري، فليس هنا ما يوجب اشتغال ذمته، إذ لم يفت إلا حق الانتفاع.
والمبحوث عنه من هذا القبيل، فلا يورث حقا ماليا. وبيانه بأن استواء الناس من العاكف والباد في بعض الأمور العامة وأولوية من سبق منهم إليه، ليس وليدا للشريعة ولا مخترعا للشارع، بل كان دارجا بين الأقوام والملل - على اختلافهم - ولم يأت الشرع بما لم يكن معهودا لديهم.