وثانيا: أن مورد النزول هو أنه لما كانت الإماء في تلك الآونة عرضة للأذى أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يرشد النساء الحرائر إلى ارخاء الجلباب الموجب لامتيازهن عن الإماء حتى يصن عن التعرض ويحفظن عن أذي اللئام، ويلائمه قوله تعالى " أدنى أن يعرفن فلا يؤذين... الخ " حيث رتب عدم الأذية على المعروفية فإذا صرن بالستر ممتازات عن الإماء التي لم تكن ساترات الوجوه والرؤوس يحفظن عن عرضة الأذى، ومن المعلوم: أن هذا اللسان لا ينطق باللزوم أصلا، نعم لو توقف صون المرأة على إرخاء الجلباب لوجب، كما أنه لو توقف على شئ آخر وراء الستر كالفرار ونحوه لوجب أيضا، وأين هو من الوجوب النفسي المبحوث عنه؟
فالكريمة قاصرة عن إفادة الوجوب بالنسبة إلى ستر الوجه، لأن سائر الأعضاء عدا الوجه والكفين مما لا إشكال في وجوب سترها ولا خلاف فيه ظاهرا فلا احتياج إلى تجشم زائد، إنما الكلام في لزوم ستر الوجه والكفين.
ومنه أيضا قوله تعالى " وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن... الخ " (1) وهذه هي الآية المشهورة بآية الحجاب المعنى بها إذا قيل: حدث ذاك الشئ قبل نزول آية الحجاب أو بعدها.
تقريب الاستدلال بها على وجوب الستر هو إيجابه تعالى الحجاب المانع عن اللقاء عند السؤال، وحيث إنه لا خصوصية له - أي للسؤال - يستفاد منه لزوم الحائل بين الرجل والأجنبية حتى لا يراها ولا تراه، ولا تفاوت في ذلك بين إرادة خصوص الثوب الحاجب أو الأعم منه ومن الجدار ونحوه، لدلالته على لزوم التحفظ في معرض النظر.