فحينئذ لا تعارض بين روايات الباب إذا اختلفت في المفاد، فهو وإن لا يناقش فيه - من حيث إن الأصل الجاري في الشرط موجب لترتب أحكامه بلا مساس له بأحكام المانع وبالعكس - إلا أن في جعل أحد الضدين اللذين لا ثالث لهما شرطا والآخر مانعا كلاما لا يخلو التعرض له عن الفائدة.
قد يقال: إنه لا يمكن جعل أحدهما شرطا والآخر مانعا مع أنه لا ثالث لهما، للزوم اللغوية في الثبوت، حيث إن ثبوت أحدهما مستلزم لسلب الآخر، كما أن سلبه مستلزم لثبوت ذاك الأخير، مع اشتراك الأحكام في مقام الثبوت، كما هو المفروض. وببالي أن " الشيخ الأنصاري قده " قد أفاد في مبحث كون الطهارة شرطا أو النجاسة مانعة: أنه لا يمكن الجمع بين الجعلين معا بشرطية الأولى ومانعية الثانية، لما أشير إليه من لزوم اللغوية.
وقد يجاب بظهور الفائدة في جريان الأصل عند الشك، وبه يصان عن اللغوية.
وفيه: أنه يمكن أن تحرز تلك الفائدة بجعله شرطا، فالحق مع " الشيخ ره ".
فلو نوقش في الجمع بين ذينك الجعلين - ولم يكتف بما ذكر في الصيانة عن اللغوية - لعلم باختلال أحد الأصلين، للقطع بكذب أحد الخبرين الدالين على الجعلين، فأما الحكم المجعول فهو إما منحصر في شرطية التذكية، وإما منحصر في مانعية الميتة. ولكن لما لم يلزم من جريان الأصلين مخالفة عملية فلا ضير في إجرائهما عند الشك مع عدم اتضاح ما هو المجعول، نظير ما مر في محله: من جواز جريان أصالة النجاسة في كلا الإنائين مع العلم بصيرورة أحدهما طاهرا.
هذا بلحاظ الأصل. وأما بلحاظ النص: فعند عدم إمكان الجمع بين الجعلين مع تفسير (الميتة) بما يرجع إلى ضد (المذكى) بنحو لا ثالث لهما، فلا بد من النظر المستأنف في روايات الباب حتى يعالج التعارض المترائي منها، حيث إن بعضها ظاهر في شرطية التذكية وبعضها في مانعية الميتة - كما مر - فإن عولج بينهما