بخصوصيتها، سواء في ذلك الجوهر المادي المتحرك والعرض المادي المتحول، مثلا إذا صار التراب شجرا بالتطور الجوهري لا يكون شئ من حدود مسافاته الجوهرية باقيا بحاله وإن كان أصل الوجود المنحفظ بحياله باقيا وكذا إذا صار الماء البارد حارا بالتحرك الكيفي لا يكون شئ من أجزاء مسافاته العرضية باقيا بحاله وإن كان السنخ الجامع الخارجي باقيا. وأما العلم فهو مع أي حد كان فهو منحفظ بحياله بلا تحول فيه أصلا، مثلا إذا تعلم إنسان في مطاوي عمره علوما كثيرة مختلفة في درجات الكمال يكون جميع حدود علومه المتفاوتة في السهولة والصعوبة وفي السذاجة والعمق وفي الظهور والبطون و... محفوظة بحيالها إذ لم يتبدل شئ منها بآخر، بل النفس إنما تبدلت وتطورت من حد منه إلى حد آخر منه، إذ التعلم إنما هو بأن يتحرك العالم نحو العلم، لا أن العلم ينتقل إلى العالم ولا بأن ينتزع العالم الثابت بحاله شيئا من العلوم ويجرده أو يعممه أو غير ذلك مما يوهم تحول العلم وأنه يتحرك من المحسوس إلى المتخيل ثم منه إلى المعقول بل النفس إنما هي تنتقل من مرتبة الحس إلى مرتبة المثال والخيال، ثم منها إلى مرتبة العقل، وفي كل مرتبة تدرك ما يحاذيها من المعلومات.
ولا ميز في ذلك كله بين شخص واحد في أدواره العلمية وبين المجتمع في تطوراته الفكرية، لأن المتطور في جميع ذلك إنما هي النفس العالمة لا العلم بما هو علم، فتوصيف العلم بالتكامل من باب توصيف الشئ بوصف متعلقه لا بوصف نفسه، فالاسناد مجازي.
نعم إذا صار العلم وصف النفس واتحد بها كما اتحدت به انسحب حكم أحد المتحدين إلى الآخر وهذا الانسحاب هو المصحح لاسناد التطور إلى العلم.
ثم إن كل أمر أبدعه الفكر البشري فهو لا يخلو عن شوب نقص وقصور في بادئ أمره، ثم يتطور بالتكامل الموجب لخلوصه عن شائبة النقص إلى أن يصير كاملا بحسبه في ختام أمره. وأما كل أمر أبدعه الوحي الإلهي فهو خالص عن أي